أتت إليّ وهي منكسرة وقالت: هل يمكنني أن أتحدث معك الآن؟ أخذتها في غرفة منعزلة ثم سألتها: عن ماذا تريدين أن تتحدثي اليوم؟ قالت ليّ: أختي! وبدأت تجهش بالبكاء. جلسنا في لحظة صمت حتى انتهت من البكاء، ثم كسرت لحظة الصمت قائلة: ذهبت إلى أختي كما اتفقنا وكان موعدنا الساعة الواحدة ظهرا، تأخر الباص وتأخرت على موعدنا. ثم اتصلت بي وبدأت تشتمني وتقول: أنتِ لم تتغيري بعد!
سألتها: وماذا شعرتِ عندما قالت لكِ أختكِ ذلك؟ انحنت برأسها وقالت: أنا ما زلت أحاول، أتممت الستة أشهر وأنا لم أستخدم. في السابق كنت مروجة وكنت مدمنة على الكوكايين. الآن تركت الاثنين معا، لكن! ما زلت أشعر بأني مدمنة، شخصيتي لم تتغير. عائلتي يرون ذلك أيضا. ثم أكملت: لا أستطيع أن أتصرف بالمال، لا أعلم كيف أنظم وقتي، لا أعرف كيف أتصرف عندما يتأخر عليّ الباص. أشعر وكأني أركض، لا أعلم إلى أين، وممن أهرب.
من منظور نفسي يمارس المدمن خلال فترة الإدمان سلوكيات قهرية -أي سلوكيات يصعب عليه أن يتحكم باندفاعاته- مثل: البحث عن المخدر طوال اليوم. يكون مشغولا -كما أنه يعيش داخل رأسه- لسان حاله يقول: كيف أحصل عليه اليوم؟ ماذا أفعل؟ كيف أحصل على المال؟
حياته الاجتماعية هي أصدقاؤه الذين يشاركونه جرعته، المال الذي يجنيه أو يحصل عليه تحمل رسالة: سأحتفل الليلة. وقته طوال اليوم يكون حول كيف أحصل على جرعتي. اندفاعاته تتحكم به وليس العكس. هذه السلوكيات ما نسميها في علم النفس بسلوكيات سوء التكيف مع الاضطراب، وفي هذه الحالة هو اضطراب تعاطي المخدرات.
ماذا لو توقف هذا الشخص عن الاستخدام وهو اعتاد على أن يتعامل مع حياته اليومية وهو «في مزاج عالٍ» -كما يصفه المدمنون- أي تحت تأثير المخدر؟ كيف ستكون مهاراته الاجتماعية؟ تنظيمه لوقته؟ مهارات إدارة ماله؟ المدمن بعد الإدمان -أو ما نسميه في مرحلة الشفاء- يفتقد هذه المهارات ويحتاج إلى إعادة تأهيل وبناء حياته من جديد.
في الحوار الذي دار ما بيني وبين إحدى مُراجعاتي في بداية المقال، المراجعة كانت مستاءة لا تعلم كيف تتعامل مع أختها، كيف تتصرف بأموالها لأنها لم تعتد بأن يكون لديها مال لا تصرفه على مُخدر بالإضافة إلى ثقتها في نفسها المنخفضة. بعض الدراسات توصلت بأن ما يحفز المدمن على ترك المخدرات هو محفزات خارجية مثل: خوفاً من أن يفقد وظيفته أو أطفاله أو عائلته أو بيته أو أي شيء مهم بالنسبة له، لكن تعلم ماذا يحفزه على الاستمرار على ترك المخدر وعدم الانتكاس؟ هو محفزات داخلية، أي ثقته واحترامه لنفسه وشعوره الجيد عنها، أي أن المراجعة السابقة لو استمرت في مرحلة الاستياء وخيبة الأمل فنسبة انتكاستها وعودتها للاستخدام تكون أعلى.
إذا كان في بيتك مدمن سابق شجعه وأرشده كيف يتعلم بعض المهارات الأساسية، مثل: مهارات الاعتماد على الذات ومهارات التواصل الاجتماعي وتنظيم الوقت وإدارة المال والتحكم بتصرفاته وانفعالاته ورفع ثقته بنفسه. لاحظ السلوكيات البسيطة الإيجابية وعززها، إنه في خطواته لصحة نفسية جيدة.