بداية لسنا مجتمعا أفلاطونيا، أو منزها عن الأخطاء البشرية، لكن مقارنة بالدول الأخرى فإننا نحظى بالدعم الحكومي القوي، والميزانيات الضخمة المخصصة للنهوض بالخدمات الاجتماعية حتى تصل لجميع المحتاجين لها.
وعلى الرغم من ذلك ما زالت قضية العنف الأُسَري تحت مجهر النقد اللاذع من الوسائل الإعلامية، والجهات الحقوقية، والرأي العام!، وما زالت الجهود التي تقدمها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تُصنف بأنها «ضعيفة» بالرغم من الجهود العظيمة التي تبذلها منذ توليها مسؤولية «الحماية الاجتماعية منذ عام 2004»، ومواجهتها في بداياتها حربا قوية مع فكر مجتمعي سائد يتمسك بمفاهيم خاطئة عن السلطة الأبوية والزوجية! وحرباً أقوى مع بعض التنفيذيين في القطاعات الأمنية والصحية الذين يعتبرون دور الوزارة في حماية المعنفات (تدخلا جريئا في خصوصيات البيوت، واعتداء مرفوضا على موروثات القبائل تجاه النساء)!.
ولكن بمرور السنوات والدعم التشريعي الذي حدث منذ عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه، إلى عهدنا الحالي والداعم للمرأة بوجود الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، حيث كان منذ توليه لإمارة منطقة الرياض «الداعم الرئيسي لمحاربة العنف الأُسَري» حتى عهده الحالي، والذي توّج أيضا باهتمامات أكثر من ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، منذ بداية برنامج التحول الوطني الأول عام 2017، واعتماده ملف «تزايد حالات العنف الأُسَري» من ضمن التحديات التي تواجه الوزارة.
ولكن على الرغم من الإنجازات المختلفة في هذا المجال كمثال: (صدور نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل، وصدور الإستراتيجية الوطنية للوقاية من العنف منذ عام 2015، وإنشاء وحدات للحماية على مستوى مناطق المملكة، وتدشين الخط الساخن 1919 على مدار 24 ساعة بهدف التسهيل على المعنفات التبليغ عن العنف الواقع عليهن، وتأسيس المجلس الوطني للأسرة، وصدور قرارات عدلية في السنوات الأخيرة داعمة للمرأة المعنفة)، إلا أن الخلل في ترجمة هذه الإنجازات ما زال يطارد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لأنها «الجهة الوحيدة» المنفذة لأهداف هذا الملف المهم محليا، والذي ما زالت مخرجاته الحالية تسيء إلى الملف الحقوقي للمملكة العربية السعودية دوليا! فالبرامج الإعلامية كمثل برنامج (ما حنا بساكتين) تناول قضية العنف الأُسَري واتهام الوزارة بالقصور مرتين في مدة وجيزة! مع إغفال إبراز الجهود للوزارة بالرغم من الصعوبات التي تواجهها! مما يسيء إلى جهود قطاع ضخم مثل الوزارة لسنوات طويلة مع المعنفات بمجرد استضافته لحالات فردية من بعض المناطق!.
لذلك لن تحقق الوزارة الصورة المشرفة إعلاميا وحقوقيا لها ودوليا للمملكة في هذا المجال إلا بعدما يهتم وبشدة وزير العمل والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي «بملف العنف الأُسَري»، والذي يعد جاهزا للتنفيذ منذ عهد الوزير السابق للوزارة الدكتور ماجد القصبي، فارتقاء بما تبقى من الجهود السابقة، وإنقاذا للوزارة من استمرارية النقد اللاذع الذي ما زال يطاردها إعلاميا، فإن الأمانة عظيمة على قيادات الوزارة تجاه التحرك العاجل لهذا الملف المهم، والذي ركز على هدف إستراتيجي واحد «إنشاء منظومة متكاملة للحماية الأسرية عبر تنفيذ 7 مبادرات»، ومن أهم هذه المبادرات «تطوير آليات التعاون بين جميع الجهات المعنية بالعنف الأُسَري، وتطوير حزمة متكاملة من الخدمات لتغطي احتياجات الضحايا والمعتدين أثناء وبعد العنف»، وغيرها من المبادرات التي كانت حبيسة الأدراج منذ انتهاء برنامج التحول الوطني الأول إلى وقتنا الحاضر، فإذا تم العمل عليها بمهنية عالية من قبل مختصات ومختصين «مُمارسين» في مجال الحماية الأسرية، لأُنقذت الوزارة من هذا الجلّد الإعلامي المستمر لها.