مع أن المعادن التي نعرفها تستخرج من كوكب واحد، إلا أنها تختلف في طبيعتها وموادها وتركيبتها، وتختلف في عملية استخراجها وصبها، والأهم من ذلك أنها تتباين بوضوح في قيمتها ووزنها وخامتها، فالمعادن النفيسة عالية القيمة براقة جذابة، أصيلة، فلا نجد عليها علامات الزيف ولا الخداع، ولا نجد في ألوانها ما يشككنا في أصالة معدنها. وهنا ندرك يقينا أن المعادن الثمينة لا تنسى ولا ترمى، وإنما تبقى محفوظة ومرفوعة على أبد الدهور والأزمان. وكذلك يندرج وصف المعادن، آنفة الذكر، على معادن البشر. وما بينهم من تفاوت واختلاف في العلامات الاجتماعية والحيوية التي تتصدر شخصياتهم وتكويناتهم وتركيباتهم الروحية والنفسية والعقلية، وفي تصرفاتهم وسلوكياتهم ومشاعرهم، وأحاسيسهم وتفريقهم بين الحق والباطل. ولا نستطيع أن نميز بين المعادن النفيسة من البشر وغيرها من المعادن الرديئة عن طريق المظهر الخارجي، وذلك لتقارب الشبه والملبس ولتلون البعض بمعادن نفيسة، لا تلبث أن تتلاشى وتتضح مع مرور الأيام وعند تحقق الغايات المزيفة. ولكننا نستطيع تميزها عن طريق الاختلاط معهم والتعامل المباشر والتواصل والتحدث، وهنا تبرز الاختلافات، وتظهر الحقائق، وتسقط الأقنعة، فيبقى الأصيل أصيلا ويعرف من كريم طباعه وأصالة سلوكه ونخوته، وترفعه عن سفاسف الأمور وحقيرها، فيبقى محفوظا في قلوب من كتب الله لهم مخالطته، سواء في مكان الوظيفة أو على المستوى الاجتماعي، ويبقى اللئيم لئيما، فمن طباعه الخداع والتكبر والأنانية والتمادي في الخطأ، وتسوقه طبيعته الخبيثة إلى أرذل التصرفات وأحقر المزايا، فهذا أشر وأسوأ معادن البشر، وهو من يسقط من أعين الناس وُينسى ويقل مقداره. ومن اتصف بتلك الخصال الرخيصة فسيقع عاجلا أم آجلا في شراك أعماله الممقوتة، فلا ينتظر ذلك المخلوق عند سقوطه أو مغادرته احترام الآخرين أو تبجيلهم له، بل ستسلقه أعين الشامتين وألسنة المنافقين، ولنا في سير الأولين عبر. وبما أن الله تعالى كرم الإنسان عن غيره، لا سيما من رزقه الله بأن جعله مسلما، أن يستمد من القرآن والسنة ما يعزز معدنه ويجسد كريم إنسانيته، بمراقبة الله في جميع تصرفاته وحركاته وسكناته، وأن يتجنب الظلم وما نهانا عنه ديننا من رذيل الخصال، كالنفاق، والكذب والتدليس والتجبر والخنوع لغير الله والتلون، وغيرها من السلوكيات التي تقوده إلى الاتصاف بحقير المعادن المقصودة في هذا المقال، وعلى المرء أن يراجع تصرفاته وأفعاله من وقت إلى آخر، فلا يبقى على نفس أخطائه وهفواته السابقة وهو يعلم ذلك، وألا يرضى بتغير إنسانيته التي كرمه الله بها، وهنا لا محالة ستتضح الفروق بين البشر في الأصالة والفسالة.