حين نبحث عن أسباب إلحاق الكثير من أولياء الأمور أولادهم بمدارس خاصة أو أجنبية أو عالمية، نجد أن المطالب الأساسية تندرج تحت التالي: تجهيز الأبناء من أجل الالتحاق بأفضل مؤسسات التعليم العالي وللحياة يريدون أن يتعلم أبناؤهم أكثر من الرياضيات والعلوم، وأن يكتسبوا القيم والأخلاقيات عمليا وليس نظريا، وأن يتدربوا في أفضل بيئة صحية ورياضية بطرق علمية ومدروسة تشدهم كما تنمي أجسادهم، وأن يحاطوا بأفضل ما يقدمه عالم التربية والتعليم من هيئة تعليمية وإدارية وإرشادية بحيث تغني وتثري خبراتهم، ليس فقط بالعلم بل أيضا من خلال الاحتكاك بمن يمثلون القدوة الحسنة.. يريدون لأبنائهم أن ينموا نفسيا وروحيا وجسديا، كنموّهم علميا وثقافيا، ليتخرجوا شخصيات بقدرات عالية من المهارات اللغوية والاتصال وأسلوب حل المشكلات، وبقدر كبير من التمكن من التفكير الناقد، بحيث يجعلهم شخصيات قوية فاعلة قادرة على مواجهة الحياة والاستمرار في التطور والتعلم.. على الأقل هذا ما تعدهم به هذه النوعية من المؤسسات التربوية. إنها طلبات وليست أحلاما طالما أنهم اختاروا أن يصرفوا من جيبهم الخاص على تأهيل بناتهم وأبنائهم وتجهيزهم لمواجهة سوق عمل أقل ما يقال عنه إنه تنافسي، وأحيانا كثيرة، سوق لا يرحم. وعلى الرغم من التضحيات التي يقوم بها أولياء الأمور من ضغط على ميزانية الأسرة قد تصل إلى حرمان الكثير من الأمور الأخرى، من أجل تحقيق هذه الأهداف، نجد أنهم يشعرون هذه الأيام بالإحباط الشديد!

إن ارتفاع أسعار الرسوم الدراسية، أصبح يطبق على رؤوس هذه الأسر، وكل عام يزيد عن الذي من قبله، ولو كان الأمر بنسب قليلة، لتحملته الأسرة، ولكنه كل سنة يتضاعف مما يجعله أكثر صعوبة في التدبير من ميزانية الأسرة. وهذه السنة بالذات قام الكثير من هذه المدارس بإرسال خطابات تحيط أولياء الأمور بارتفاع أسعار الرسوم، منها ما وصل إلى 80% زيادة وربما أكثر، لم أجر أي دراسة وليس أمامي إحصاءات، ولكن لو أن الجهات المختصة تقوم بدورها في المراقبة والمحاسبة، ربما لما تجرأ أحد وقام بهذه الخطوة من الأصل، ولنلاحظ تزامن هذه الخطوة مع قرار الدولة بتثبيت الحد الأدنى من رواتب المعلمين والمعلمات، فالمسألة تصبح واضحة ولا تحتاج حتى إلى تفكير، مساحة الربح المرجوة من فتح هذه المؤسسة أو تلك قد قللت بفعل قرار من الدولة، إذا من يجب أن يحمله في نظرهم هو الأهالي وليس المدرسة!

ولكن ليس كل من يرسل أبناءه إلى هذه النوعية من المدارس، هم من الطبقة العليا، ويستطيعون أن يتكيفوا مع غلاء كهذا، وإن أجرينا دراسة سريعة، في نظري، فسنجد أن غالبية هذه الأسر ينتمون للطبقة الوسطى، والتي تعاني اليوم من غلاء الأسعار في جميع المجالات وليس التعليم فقط، ومثل ضغوط إضافية كهذه، بنظرهم تشكل خطورة على أهم هدف من أهدافهم في الحياة، سوف يدخلنا في أمور نحن في غنى عنها وخاصة في وقتنا الحاضر.

قد أتفهم الارتفاع الدوري للأقساط بنسب معقولة مثل 5 أو 8 %، لأنها بالأصل مرتفعة، لو أن المدرسة، تقوم وبشكل دوري بزيادة رواتب المعلمين والمعلمات، وتقوم على تنمية خبراتهم ومهاراتهم بمشاركتهم في آخر ما يقدم من دورات وورش عمل تدريبية، والتأكد من مشاركتهم في أوراق عمل أو حضور المؤتمرات المحلية والإقليمية وربما العالمية في مجال التربية والتعليم، أو ربما تقوم بتجديد المباني والمرافق سنويا، بل إنها قد تكون أضافت مرافق حديثة أيضا من معامل الحاسوب التقنية في مجالات مثل تصاميم "الجرافيك" أو التصوير الرقمي، أو إدخال برامج تعليمية متطورة تعتمد على وسائل وتقنيات عالية الحساسية والدقة، وربما (تمنٍ هنا) إنشاء مكتبة على الأقل بمستوى مكتبة في مدرسة حكومية في أقرب دولة أوروبية أو أفقر ولاية أميركية، ومعامل في العلوم الطبيعية متخصصة ومتنوعة، ومراكز لألعاب القوى متخصصة ومجهزة بأحدث المعدات الرياضية والصحية، وربما أدخلوا برامج غير الإنجليزية والعربية كالإسبانية والفرنسية أو ربما اليابانية والصينية، وحولت الفصول إلى غرف ذكية، ناهيك عن وضع ألواح تفاعلية في كل فصل دراسي.. هنا وهنا فقط أستطيع أن أتفهم هذه الزيادات، أما أن تكون المدارس "محلك سر"، لا جديد ولا تطوير ولا حتى في برنامج دراسي واحد، وأجد أن الكثير من هذه المدارس قد زادت الرسوم لتصل حد الضعف تقريبا، فماذا برأيكم أستطيع أن أسمي ذلك؟ عفوا، ليس أمامي سوى "سرقة في وضح النهار"!