هل تعلمون أن مدينة حمص السورية تحتوي على ثاني أكبر مقبرة في الإسلام بعد البقيع في المدينة المنورة، وهي مقبرة الكتيب، المدفون بأرضها 400 صحابي من صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟

وأن حي الخالدية بحمص سُمِيَ نسبة لسيف الله المسلول خالد بن الوليد، وفيها قبره ومسجده، والكثير من أولاده وأحفاده؟

وهل تعلمون أن تسمية حي "بابا عمرو" أتت لوجود قبر الصحابي الجليل والمحارب الصنديد عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهو أحد فرسان وأمراء قبيلة زبيد العربية الأصيلة، الذي هزم جحافل الفُرْس في معركة "القادسية" وجند الروم في معركة "اليرموك"، حتى لُقِبَّ بفارس العرب؟

قبيل معركة "القادسية" التي اشتعلت بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والفُرْس بقيادة رُسْتم فَرّخزاد في عام 636، كان جيش المسلمين لا يزيد على 30 ألفاً، بينما فاق جند الفُرْس 200 ألف و77 فيلاً مدرباً. طلب سعد بن أبي وقاص مدداً من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليستعين به على حرب الفُرْس، فأرسل إليه رجلين فقط، هما عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد، وقال في رسالته لقائد جيش المسلمين: إني أمددتك بألفي رجل.

قبل القتال وقف عمرو بن معد يكرب وسط جند المسلمين يشجعهم على القتال، فرآه أحد قادة الفُرْس وقذفه بالنبال، فأصابت قوسه ولم تُصبه، فهجم عليه عمرو بن معد وقتله ثم ألقى بنفسه بين صفوف الفُرْس يضرب فيهم يميناً ويساراً، فتشجع جند المسلمين وهجموا خلفه ليحصدوا رؤوس الأعداء حصداً، وظل عمرو بن معد يقاتل حتى أتمَّ الله النصر للمسلمين.

وفي معركة "اليرموك"، كانت قوات جيش المسلمين لا تزيد على 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تفوق 250 ألف مقاتل. ومع ذلك واجه عمرو بن معد جحافل الروم بشجاعة واستبسال وقاتل بجانب خالد بن الوليد والقعقاع وأبي عبيدة بن الجراح، حتى انهزم الروم وفروا أمام جند المسلمين. وتقدمت القوات الإسلامية دون عناء كبير ودخلوا مدينة حمص في أوائل عام 630.

وبتاريخ 641، استعصى فتح "نهاوند" على المسلمين، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب إلى قائد جيش المسلمين النعمان بن مقرن قائلاً: "اسْتَشِر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد، وشاورهما في الحرب، ولا تولِّهما من الأمر شيئاً، فإن كل صانع هو أعلم بصناعته". فقاتل عمرو في معركة "نهاوند" أشدَّ قتال حتى كثرت جراحه. وفتح الله على المسلمين "نهاوند" وظفر عمرو بالشهادة، ليدفن في حي من أحياء حمص له بابان مُطِلان على المدينة فسمي الحي باسمه "بابا عمرو".

ولد الصحابي عمرو بن معد في عام 542، وكان طويل القامة، قوي البنية وشديد البأس. واشتهر عمرو بسيفه الذي كان يدعى "الصُمْصَامة"، وهو سيف صارم يزن ستة أرطال ولا يثنيه شيء، ويعتقد أنه موجود إلى جانب الصحابي عمرو بن معد في حي "باباعمرو" بمدينة حمص.

روي أن ملك الهند أرسل وفداً إلى هارون الرشيد يحمل معه هدايا ثمينة، بينها عشرة سيوف من أجود سيوف الهند، وحين قُدِّمتْ إلى الرشيد دعا بسيف عمرو بن معد ليختبرها، فقطع به السيوف الهندية سيفاً سيفاً، من غير أن تنثني لسيف الصُمْصَامة شفرة، أو يَفِلّ له حَدّ.

كما روي أن الخليفة عمر بن الخطاب سأل يوماً عن أمضى سيوف العرب، فقيل له: "صُمْصَامة عمرو بن معد"، فأرسل إلى عمرو ليبعث إليه بسيفه، فلما استلمه أمير المؤمنين ضرب به، فوجده دون ما كان يبلغه عنه، فكتب إلى عمرو في ذلك، فردَّ عليه: "إنني بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به".

بعد دمشق وحلب، تعتبر حمص ثالث أكبر مدينة في سورية من حيث عدد السكان، وتقع على نهر العاصي في منطقة زراعية خصبة هي سهل الغاب. ولأنها تتوسط بلاد الشام وتصل المدن الشمالية والجنوبية بالمحافظات الشرقية والساحليّة الغربية، اكتسبت مدينة حمص موقعًا تجاريًا فريدًا، أغناها بالعديد من المرافق الصناعية الحيوية. كما اختيرت قلعة الحصن، الواقعة شرق مدينة حمص، كواحدة من مواقع التراث العالمي، المحمي من قبل منظمة اليونيسكو.

"بابا عمرو" هو الباب الثامن لمدينة حمص بعد أبوابها السبعة المعروفة بالتركمان والمسدود والسباع وتدمر وهود والدريب والسوق. ويعتبر "بابا عمرو" أيضاً حياً من أحياء حمص، حيث يقع في الجهة الغربية الجنوبية للمدينة ويحتوي على جامع عمر بن الخطاب وجامع خالد بن الوليد والجامع النوري الكبير وجامع الأربعين وجامع الأتاسي. ويبلغ عدد سكان حي "بابا عمرو" 42 ألف نسمة، ويشتهر بسوق خضاره الكبير وأسواقه التجارية القديمة، كما يعتبر منطقة مثالية للسكن الشعبي لقربه من الجامعة والمداخل الرئيسية للمدينة.

جراح حي "بابا عمرو"، تعتبر أكثر جروح العالم العربي نزيفاً وأشدها فتكاً. منذ اندلاع الثورة السورية، أصبح "بابا عمرو" الحي الأكثر شهرة في العالم أجمع، وكأن شبيحة النظام السوري، بقتلهم لسكان "بابا عمرو"، يثأرون لانهزام الفرس في معركة القادسية على يد عمرو بن معد. خلال أيام معدودة، فقد الحي من أحفاد عمرو بن معد 322 شهيداً و860 جريحاً و4210 معتقلين و1128 مفقوداً، كما تم تشريد 5700 عائلة.

العالم العربي ينتظر بفارغ الصبر لمثل عمرو بن معد لدحر أزلام الفرس عن "بابا عمرو".