ظهرت لنا قناة الثقافية في الفترة التي تزامنت مع انطلاقة معرض الرياض الدولي للكتاب بنافذة إعلامية مباشرة نقلت لنا الحدث صوتا وصورة، وهذا مما يجب أن نشيد به بداية، لأنه حقيقة جهد كبير قامت به وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في القناة الثقافية، ونفذه فريق عمل رائع نقل لنا فعاليات معرض الكتاب الدولي بحيث نكاد نلمس الكتب ونتجول في ممرات المعرض.

نعم البث المباشر أصبح من أهم مؤشرات نجاح أية قناة فضائية، إنما الذي يشكل فارقا هنا هو التعامل مع المضمون والواقع وليس اختزال المشهد في "ابتسم لتطلع الصورة أحلى".. المشاهد أصبح من الذكاء المعرفي بحيث لا تستوقفه صورة الغلاف. وصورة الغلاف هنا صورة متحركة تعطينا انطباعا عن المحتوى.

نقل الحدث ليس كافيا بقدر ما هو رسالة ثقافية قبل أن يكون صناعة مجردة، أو منحازة إلى ما ليس له علاقة بالمشهد الثقافي والتغيرات الدرامية والجذرية في الوسط الثقافي ومواجهة حركة الثقافة من حيث هي هوية جمعية، وهي أولوية تعكس راهن المشهد الثقافي بموضوعية ومهنية لنشر المنتج الثقافي وانسجامه مع حاجات الجمهور وتطلعاته وميوله وآماله في بناء ثقافته.. فهل كانت القناة الثقافية على هذا الخط المهني العالي صوتا ومضمونا؟ أم إنها غابت وغيبت الصورة التي تحدث في كواليس المشهد الثقافي بكل همومه ومشكلاته؟

كل ما نطلبه هو عرض الحدث الثقافي بروح مختلفة، لا تكفي الأخلاق الجميلة، نريد الكثير من الوعي، لم نعد أولئك الأطفال الذين يقفون أمام الكاميرا ليطلب منهم "أنشودة" ويبدأ الطفل في ترديدها، في الوقت الذي يبتسم الكبار ابتهاجا، أبدا لم نعد كذلك، ومع هذا قدم فريق العمل خلال تغطية فعاليات معرض الكتاب جهدا مشكورا وواضحا على مستوى الوقت والتنفيذ.

إن ثقافة الصوت والصورة معا هي عملية تعزيز وآلية إقناع وتأثير مباشر، ومن هنا فإن الإستراتيجية الإعلامية مهمة جدا لأية وسيلة إعلامية تريد أن تساهم في تأطير بنيتها الفكرية وصناعة وبناء رأي عام ثقافي، ولهذا تواجه القناة الثقافية تحديات كثيرة في مقدمتها الاعتراف بالثقافة كأهم ركيزة لتطوير المجتمعات، وتواجه أيضا تحدي تراجع دور الإعلام الثقافي في وقت أصبحت الثقافة أشبه بالحمل الثقيل والتعامل معها أصبح من باب "المناسباتيه"، "ورفع العتب"، وليس أدل على ذلك أنه حتى يومنا هذا من النادر أن نجد خبرا ثقافيا على الصفحات الأولى للصحف الورقية، والأمر لا يختلف كثيرا عن القنوات الفضائية، ومن هنا تأتي مسؤولية "القناة الثقافية" وما نؤمله منها من التماس حاجة الواقع الثقافي والذي يجب أن يكون هدفا مهما جدا لأية وسيلة إعلامية تريد أن تساهم في صناعة وبناء الرأي العام. بالإضافة إلى ضرورة تطوير بنيتها الفكرية والثقافية.