يبدو أن الأجواء المغبرة هذه الأيام لن تنثر التراب في الوجوه فقط، بل إنها ستنثر المزيد من غبار الأسئلة في أجواء صراعات الجماهير والتيارات و"الرموز"، خصوصا بعد أن دخلت الأناشيد الإسلامية إلى الحلبة بقوة وضجيج غير مسبوق هذه الأيام، ففي مفارقة نادرة يعلن الفنان اللبناني فضل شاكر أنه يفكر في ترك الغناء وذلك خلال برنامج بثته قناة "الرحمة" بعد قناعته بأنه "ليس في الطريق السليم لأنه يعيش صراعا نفسيا منذ سنوات". وفي الوقت نفسه يعلن من كان يلقب بـ"أبو عبدالملك" واسمه الحقيقي "محسن الدوسري" ويعرف بـ"منشد الجهاد" أنه سيترك الإنشاد الإسلامي ويتجه للغناء بالموسيقى. وهما خبران ضج بهما الإعلام التفاعلي وخصوصا مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي، فـ"شاكر" و"عبدالملك" تعرضا وسيتعرضان خلال الأيام المقبلة للكثير من الضغوط التي تمارسها عادة "الجماهير" على من أحبته. ومع أنني أعتقد أن "شاكر" سيكون أقل ضغوطا بل قد يكون المؤيدون له أكثر في بعض البلدان العربية، ولكن في كلتا الحالتين فهما يمران بأحد أهم المنعطفات الحياتية التي تحتاج إلى جلد كبير واقتناع بالمسار. لست في موضع تقييم صحة القرار من خطئه، فهو قرار شخصي لكل منهما، لكن ما يمكن تلمسه هنا هو أن سطوة الجماهير ليست بالأمر السهل، وخصوصا عندما تعتقد تلك الجماهير أن من أحبت إبداعه "خانها" وانتقل للطرف الآخر، وبالتالي تتحول المسألة من قرار فرد إلى صراع تيارات فكرية، يتم توظيفه بشكل مثير للضحك أحيانا، حيث تجد من يتهم التيار الفلاني أو العلاني بأنه أثر على تفكير "عبدالملك" أو" شاكر" وسحبه من بين يدي "جماهيره"، ثم يبدأ الصراع العبثي الشتائمي الذي قد ينال "حبيب الأمس" أكثر من "العدو" الدائم. وفي كل دول العالم يعاني النجم الجماهيري من ضغوطات محبيه ومتابعيه لدرجة التدخل في أموره وقراراته وآرائه الشخصية، لكن لدينا إن تحول إلى وضع جديد لا ترضاه هذه الجماهير، فسيكون عرضة لكل ما يمكن تصوره من المضايقات والشتائم، ولذلك لا نقول لمن صنع لنفسه جماهير وسار على هواها إلا "الله يعينك على تاليتها".