تتداول مواقع إلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" حملات للبحث عن شباب وشابات وأطفال اختفوا في ظروف غامضة، في مناطق متفرقة من المملكة، حيث شهدت مدينة الطائف قصة اختفاء أحمد الغامدي البالغ من العمر 4 سنوات الذي أحدث اختفاؤه شدا وجذبا بين عدة أطراف، ليتضح أنه راح ضحية جريمة قتل ارتكبتها في حقه زوجة والده لتنتهي بذلك أبرز فصول القضية التي أصابت المجتمع السعودي بالذهول لأكثر من أسبوعين، وفي أجواء يسيطر عليها الحزن، في الخبر بالمنطقة الشرقية اختفت فتاة تبلغ 15 ربيعا وبعد مرور أكثر من 8 أيام تم العثور عليها، كذلك وفي حادثة مشابهة اختفى في الطائف فتى تحفيظ القرآن البالغ من العمر 14 عاما، وبعد تكثيف الجهات الأمنية بحثها، عثر عليه في منطقة مكة المكرمة بالحرم المكي ولم تعرف الدوافع وراء هروبه.
"الوطن" فتحت ملف اختفاء الإناث والذكور في ظروف لا تعرف مسبباتها الرئيسية وابتعادهم عن ذويهم، للوقوف على أبرز أسباب هذه الظاهرة، فكانت النتيجة التعرف على شباب ألفوا أزقة الشوارع والمولات التجارية والمساجد أكثر من ألفتهم لمنازلهم، هؤلاء الشباب اختلفت أسباب هروبهم واختفائهم عن أسرهم ما بين نواح اجتماعية ونفسية، فيما البعض الآخر منهم كان له دوافع خفية يقف خلفها أشخاص يستغلون المراهقين لتحقيق مبتغاهم.
يقول وكيل علم النفس الجنائي في جامعة الإمام الدكتور محمد عبدالله المطوع أن هروب الأبناء من ذويهم هو نتيجة التغيرات والحداثة والتحول الذي يعصف بالمجتمع، كما أنه نتيجة عوامل قد تكون دخيلة على مجتمعاتنا العربية ولها تأثيرات سلبية على سلوكيات المراهقين، فهناك تغيرات اجتماعية ونفسية في المجتمع تؤثر سلبيا على الأبناء، لذلك يلجؤون لوسائل الهروب والخروج من المنزل دون تبليغ أسرهم مما يوقعهم تحت طائلة أصدقاء السوء، والمنحرفين سلوكيا وفكريا كالدخول ضمن الخلايا الإرهابية وتجارة المخدرات.
وأضاف المطوع أن العوامل الأسرية لها ضريبة مرتفعة على الشباب ممن لديهم مشكلات نفسية واجتماعية وأسرية فمعظم الهاربين من منازلهم يكونون بذريعة البحث عن الأمان العاطفي والنفسي، وهذه السلوكيات قد تعرض الابن أو الابنه للوقوع في مشكلات عدة تكون نتيجتها المساءلة القانونية.
وأكد أن الأبناء الهاربين معظمهم لديهم شخصية "قابلة للإيحاء" ويستغلون هؤلاء من قبل تجار المخدرات في مشاركتهم في هذه الجرائم، موضحا أنه قد يستغل هذا الابن الهارب من قبل الآخرين، كما أن الآخرين قد يستغلون هويته في استئجار أماكن لتنظيمات إرهابية تحتضن الشاب الهارب لاستغلاله مما يوقعه صيدا سهلا في أيدي المنحرفين. وطالب المطوع بالمسارعة في تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية التي تحمي هؤلاء الهاربين كدار الحماية والمراكز المخصصة في حماية الأبناء الهاربين، ومحاصرة حالات الهروب الشاذة قبل أن يتفاقم الأمر وتصبح ظاهرة لا يمكن السيطرة عليها، موضحا أن دور الرعاية لحماية الهاربين التي يطلق عليها دور الحماية محدود جدا لذلك لا بد من العمل على وضع دراسة لإنشاء دور لحماية الهاربين بحيث يتواجد أكثر من دار في المدن الرئيسية وتصنف بطريقة علمية في اختيار الحالات الهاربة لكي تحتضنها الدار كالعنف الأسري والنفسي والجسدي، وحمل الأسرة دورا كبيرا في هروب الأبناء وذلك لعدم التوزان في العملية التربوية.
من جهته أكد أستاذ علم الاجتماع الجنائي وعميد كلية إدارة الأعمال بحوطة بني تميم الدكتور صالح عبدالله الدبل أن مفهوم هروب الأبناء من المنازل يحتاج إلى تعريف حتى لا تختلط المفاهيم والسلوكيات فالهروب الواقعي طويل المدى أو في فترات قصيرة متقطعة، أما حالات الهروب وما يحدث من بعض الأبناء من ترك الأسرة والعيش بعيدا عنها، لهذه الحالة عوامل اجتماعية منها عدم تحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي في الأسرة مما يكون عاملا لدفع الأبناء إلى البحث عن مكان بديل يجدون فيه ما يريحهم من الناحية النفسية ويساعدهم على الاستقرار الاجتماعي. وتزداد هذه الحالة عند وجود الشقاق والخلافات الأسرية أو تفضيل الأبناء بعضهم على بعض. ومن العوامل أيضا وجود شدة في التربية بحيث يكون المنزل أشبه بالمعتقل يعنف الأبناء لأصغر الأسباب ويمنعون من هامش حرية بسيط في اتخاذهم لقراراتهم المعيشية والملبسية واختيار صداقاتهم وأساليب عيشهم، ومنعهم من استقبال ضيوفهم وأصدقائهم في المنزل. وهذا المظهر يتم في الغالب من قبل الأب الشديد ويساند أحيانا بزوجات الآباء.
ورأى عضو مجمع فقهاء الشريعة الشيخ الدكتور محمد النجيمي أن هروب الأبناء عن ذويهم والبقاء في الشارع له سببان رئيسان نتيجة العنف الذي يمارسه الآباء ضد الأبناء، وهذا مخالف لقوانين التربية ومنهج الشريعة، وقد يكون سبب الهروب التربية السيئة في إسناد المهمة للخادمات فتتم تنشئة الأطفال بطرق خاطئة مخالفة للشريعة الإسلامية تحفزهم على التمرد وعدم احترام حقوق الوالدين.
وأضاف أن إهمال الأبناء وممارسة العنف ضدهم داخل الأسر من الأسباب الرئيسية للهروب، مؤكدا أن الأحكام القضائية الصادرة ضد الأبناء الهاربين من ذويهم خاصة الفتيات تستدعي أن ينظر القاضي في الأسباب الموجبة لها والتي أدت لهروب الفتيات، مؤكداً أنه لا بد من معرفة أسباب الهروب قبل معاقبة الهارب من ذويه ومحاسبة المتسبب في ذلك.
من جهته، كشف الأستاذ المساعد في علم النفس الجنائي رئيس الدراسات الأكاديمية في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض عضو لجنة المناصحة للشباب المغرر بهم الدكتور ناصر العريفي أن هروب الأبناء من المنازل قد يكون لعدة عوامل متعلقة بالأسرة، وجذب بعض الفئات الخارجية لهذا الشاب وقد تكون هناك صراعات داخلية في الأسرة وراء أسباب هروب الشباب، إلى جانب وجود بعض الدوافع الخارجية كأصدقاء السوء وتواصل هؤلاء الأبناء مع زملاء لهم في بعض الخلايا المنحرفة فكريا، بحيث يدفعون بهؤلاء الشباب إلى الانضمام تحت طائلتهم.
وأضاف: هناك عوامل أخرى تكون وراء اختفاء المراهق وغيابه عن أسرته، من بينها: تأثره بالخلايا الإرهابية وأفكارها المنحرفة، وكذلك التحاقه بما يسمى بالعصابة التي تنتشر في مواقع بعيدة عن مراقبة الأسر والجهات الأمنية، بحيث ينغمسون في تجارة وتهريب وترويج المخدرات والسرقة والاعتداء على أملاك الغير، وأكثر الملتحقين بهذه العصابات يكونون في مرحلة المراهقة، فكلما ابتعد الابن عن الأسرة تكون القيود التي يلتزم بها هذا الشاب ضعيفة جدا.
من جهته ذكر استشاري الطب النفسي الدكتور محمد شاووش أن أسباب هروب الأبناء عديدة ومتنوعة وهي تتمحور حول: التفكك الأسري، عدم الشعور بالأمان والحرمان العاطفي والإهمال من جانب الأسرة، والبحث عن الحماية خارج الأسرة مما يجعل من الطفل صيدا سهلا للمنحرفين الذين يقومون باستغلاله بطرق غير سوية.
وأضاف أن البناء التعليمي في المجتمع السعودي لا يزال بحاجة إلى إعادة تطوير في بناء شخصية الطالب والفكر الحر المبني على القيم، فإذا فقد ذلك في الأسرة والمدارس فهذه أحد الأسباب لهروب الأبناء، مضيفاً أن عدم وجود متنفس في داخل المجتمع للأبناء وتقصير دور مراكز الأحياء في إنشاء نواد رياضية أحد أسباب هروب المراهقين والمراهقات.