قبل حوالي ثماني سنوات، وبالتحديد في عام 1425 كتبت مقالا في هذه الصحيفة بعنوان: "الرؤية.. الأهداف.. الاستراتيجيات.. ولكن" بعد ما شرح لي مسؤول في بلدية محافظة خميس مشيط الخطة الاستراتيجية للبلدية في ذلك الوقت، وقد كان يتحدث بحماس منقطع النظير عن الرؤية، والأهداف، والاستراتيجيات؛ حتى وصلت إلى درجة الاقتناع بأن هذه الخطة سيتم تنفيذها في اليوم التالي، وكنت وقتها سعيدا بأن هناك من يهتم بالتخطيط الاستراتيجي، والمستقبلي لمؤسساتنا الخدمية التي يحتاجها جميع أفراد المجتمع من مواطنين، ومقيمين، ومع ذلك كله كنت متخوفا من مستوى جودة محتوى هذه الخطة، وكيفية بنائها، وما إذا كانت مبنية على أسس علمية سليمة، وكنت أيضا متخوفا من إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وبشكل سليم يضمن الجودة في المشروعات الخدمية التي تضمنتها هذه الخطة، ودائما ما أقول إن التخطيط السليم لأي مؤسسة يضمن قدرا كبيرا من النجاح لمشروعاتها، ومبادراتها المختلفة.

وما أشاهده على أرض الواقع من مشروعات بلدية تنفذها بلدية محافظة خميس مشيط لا يوحي بأن الخطة الاستراتيجية كُتب لها أن ترى النور حتى وإن كان مستواها متواضعا، فكثير من المشروعات التنموية، والحيوية ببلدية المحافظة تعاني من التخبط، والبعض الآخر يحتضر في أطراف المحافظة، وبعضها قد فارق الحياة، وأصبح من الماضي؛ فأين الخطة الاستراتيجية من نفق خميس مشيط الذي يعد شريانا حيويا للمدينة، ومدخلا رئيسا لها من جهة أبها، ودخل عامه الثامن من دون إنجاز يذكر، وأصبح مصيدة للأرواح في أثناء تنفيذه المتعثر، والله أعلم بما سيكون عليه هذا النفق بعدما يتم الانتهاء منه في المستقبل البعيد، فقد يكون مصيدة بحرية بعد هطول الأمطار، وتجمع المياه فيه، والنفق - على الأقل من وجهة نظري - في عداد الموتى حتى إن الكثير أصبح يقول عنه: "إكرام الميت دفنه"، ولو تم دفنه لكان أفضل من الاستمرار فيه بالشكل الحالي، ولقد جاءت فكرة "الكوبري"، أو النفق لحل مشكلة مرورية عندما كانت الصناعية في موقعها القديم، وعندما انتقلت الصناعية انتفت الحاجة إلى الكوبري الذي تحول بقدرة قادر إلى نفق، ومع ذلك تم المضي قدما في التنفيذ بالرغم من عدم وجود الحاجة الملحة له، وما تم تقديمه من تبريرات سواء من المؤسسة المنفذة، أو من البلدية بشأن التأخير، والتعثر في سير الإنجاز في المشروع غير معقولة، وغير مقبولة، ولا بد من محاسبة المتسبب في التأخير.

ولا أعرف ما إذا كانت هناك قائمة بالمشروعات التنموية التي لها الأولوية في التنفيذ عند بلدية محافظة خميس مشيط؟ ومن خلال ما يحدث على أرض الواقع، وما يتم مشاهدته من خلال ما تنفذه البلدية من أعمال، كل هذه المشروعات لا توحي بأن هناك قائمة بالأولويات، وإذا كانت هذه القائمة موجودة فهي حبر على ورق، فالمشروعات الثانوية، أو الواردة في آخر قائمة المشروعات ذات الأولوية تحتل الأولوية، وهذا سوء تخطيط، وتخبط، فما يتم في هذه الأيام من تغيير للحاجز الخرساني الواقع في الجزيرة في الطريق الذي يربط أبها بخميس مشيط، ومحاولة تغيير هذا الحاجز إلى رصيف بارتفاع ثلث المتر بهدف تحسين مداخل المدينة يعد ترفا، لا ضرورة له، ولا يمثل تحسينا كما هو مزعوم، فلماذا يتم تكسير هذا الحاجز الخرساني الذي يحمي مستخدمي هذا الطريق من قائدي السيارات المتهورين في القيادة، كما أن ذلك يقضي على الأشجار التي تمت العناية بها على مدى سنوات، وأصبح شكلها جميلا، ولها آثار بيئية إيجابية، بالإضافة إلى أن عمر هذا الحاجز الافتراضي ما زال أحسن بكثير من عمر المشروعات التي يتم تنفيذها في هذه الأيام، فالأولوية الحقيقية لكثير من الشوارع داخل المدينة التي تعاني من التشققات، وسوء التنفيذ، وهذه الشوارع بحاجة ملحة إلى إعادة سفلتة، ورصف، وتشجير، وهناك شوارع أخرى تعاني من الحفريات التي لم تحاول إدارة الصيانة بالبلدية، أو فروعها زيارتها، والوقوف عليها، ومن ثم صيانتها، بل تنتظر حتى تتحول هذه الحفر إلى مصيدة لمستخدمي الطريق، وقد تؤدي إلى الحوادث المميتة، وبعدما يقع الفأس في الرأس تهب البلدية لردم هذه الحفر بطرق بدائية، وبنوعية من الإسفلت ذات مستوى متدن الجودة، ولا يعيش طويلا، وبذلك تكون الحلول وقتية فقط، وتتكرر المشكلة أكثر من مرة في المكان الواحد، ونكرر الحديث عن الخطة الاستراتيجية لبلدية خميس مشيط في مقال قادم إن شاء الله تعالى.