احتجاجات طالبات جامعة الملك خالد في أبها و بعض فروعها، في محافظات الجنوب، على سوء الخدمات وتدني النظافة كشفت "المستور" وحركت المياه الراكدة ووجهت أصابع الاتهام إلى حالة من القصور الإداري وما يصاحبه من أخطاء وخطايا تسيء إلى صورة الصروح العلمية التي يتطلع إليها المجتمع لتكون "الرائد" الذي لا يكذب أهله.

وهذا التحرك حظي بتغطية صحفية ملحوظة استجابة "لأسبقيته" وما قد يحمله من دلالات تغري بالتوقف عنده والبحث في أسبابه وتداعياته. ورغم اهتمام الصحافة المكتوبة بالحدث – خبراً ورأياً – إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت في المقدمة – كالعادة – في نقل التفاصيل وردود الأفعال – وكالعادة أيضاً – اختلفت في أسلوب المعالجة وزاوية التناول وحدود النقد ودرجة تعميمه، ولكن القاسم المشترك هو أن هذه المواقع استطاعت أن تنقل الحدث – بالكلمة والصورة – إلى كل المهتمين والمعنيين.

والموضوعية وتحري الدقة ونشدان الحقيقة، التي تساعد على إيجاد الحلول العملية، توجب انتظار إعلان نتائج تقرير تقصي الحقائق الذي سلم للأمير فيصل بن خالد يوم الاربعاء الماضي ("الوطن" 15 مارس 2012) وما قد تسفر عنه من معلومات تضع الحدث في مكانه وحجمه الحقيقي وتحد من "التفسيرات" الخاطئة أو الظالمة. ولكن بغض النظر عن تفاصيل الخبر واختلاف الروايات وتباين التبريرات وما قد تكشفه الحقائق فإن "الحدث" يستوجب تساؤل المعنيين برصد المتغيرات التي يمر بها المجتمع ومدى قدرة مؤسساته على التفاعل معها واستيعاب متطلبات المرحلة ومدى قدرة "الجهاز الإداري" على تفهم طبيعة ومظاهر التعبير عن "الثقافة الحقوقية" المتنامية بين أفراد المجتمع استجابة وتفاعلا مع خطاب القيادة المشجع على "إشراك الناس" في إدارة شؤون حياتهم وتحميلهم مسؤولياتهم الوطنية تجاه مشاريع التنمية الهادفة إلى تحسين مستوى الحياة.

والإشارة "المحورية" لهذا الحدث – في رأيي-، التي تستحق من جامعاتنا التقاطها والتفاعل معها: ما الأسباب التي دفعت هذا العدد الكبير من الطالبات ليخرج عن "الإطار التقليدي" الذي اعتادت عليه جامعاتنا، في طلب تحسين الأوضاع، وهو أسلوب "الاسترحام" الذي يضطر إليه الطالب – منفرداً – لحل مشاكله مهما كانت كبيرة؟. لا بد أن يكون هناك "خلل" دفع في هذا الاتجاه ولا بد أن يصحح هذا الخلل. لكن من المهم إدراك أن الاندفاع "الأول" سيترك آثاره النفسية التي تحتاج إلى معالجة تزيل الأسباب وتعمل على تجديد قنوات العلاقة بين الجامعة وطلابها وعدم الإصرار على ما كان سائدا.

إن بعض مسؤولي جامعاتنا لم يعهد أن تحرك الأخطاء الإدارية وسوء الخدمات "المجموع" للاحتجاج أو تصحيح الأخطاء.. وهذا الأمر – غير المعهود – يستفز التقاليد الإدارية القديمة، ويجعلها تختلق قصصاً وأسباباً وبواعث متوهمة تخرج بالأمر من حقيقته ومستواه الإداري إلى ظنون وشكوك وحمولات لم يفكر فيها المحتجون أنفسهم، فيلتقطها، من خارج الجامعة، من حمل "الواقعة" أكثر مما تحتمل حين يرى فيها دليلاً على الأخطاء المرتكبة ضد المرأة، وظلم المجتمع لها وموقف بعض الجهات منها وظروف حياتها ومساحة حريتها ومدى أهليتها القانونية. هذا "التوظيف" للحادثة يضلل الباحثين عن الحقيقة ولا تخفى أغراضه. "المسألة" ببساطة – في رأيي- تشير إلى أخطاء إدارية في الكثير من المؤسسات التعليمية والإدارية وضعف تأهيل القائمين عليها و"تأخرهم" عن مواكبة حال الحراك الذي يعيشه المجتمع.. وهذه الأخطاء وعدم القدرة على الاستجابة لاحتياجات الظرف هي التي تستحق أن تكون موضع حوار ونقاش وكيف يمكن أن "نحسن" من أداء الكثير من المسؤولين العامين وقدرتهم على فهم دور ومهمة "الموظف العام" الذي هو في الواقع مواطن يتحرك في حدود الأنظمة وليس مشرعاً يفسر الأنظمة والإجراءات حسب رؤيته ومصالحه.

والجامعات وهي المؤسسات الرائدة في المجتمع حيث بناء الشخصية وصناعة الإنسان القوي العصري المتفهم لدوره العارف بحقوقه تحتاج إلى تطوير قنوات العلاقة بين منسوبيها، فالجامعات تحتضن نخبة المجتمع – تأهيلاً وطاقة وتطلعاً إلى المستقبل – وهذه النخبة تحتاج إلى من يشعرها أنها مشاركة فعلياً في تحسين أداء المؤسسة التي تنتمي إليها، وأن ذلك جزء أصيل في واجباتها ومهامها.

أساتذة الجامعات في حاجة إلى إعادة الاعتبار لهم لمكانتهم العلمية ودورهم الفكري وليس إلى "التراتب" الإداري، كما هو حاصل الآن. الجامعة مؤسسة علمية بحثية تربوية وهذه هي مهمتها الأساسية، ولهذا يكون الأستاذ والطالب والبحث العلمي هم رصيدها ومدخراتها ومخرجاتها، وكل الأجهزة الأخرى هي مساعدة ومساندة لهذه المهمة.. لكن للأسف في جامعاتنا الصورة معكوسة. الإدارة هي "القطب" الذي يدور حوله الجميع، حيث المكاتب الفخمة والأثاث الوثير والامتيازات العريضة وصناعة القرارات التي تحدد "مسار" الجهاز التعليمي. وبمرور الأيام ورسوخ هذه التقاليد "المعكوسة" أصبح الأساتذة والطلاب والبحث العلمي هم "الهامش" الذي لا يؤخذ رأيه في الكثير من شؤونهم. هذه الصورة السائدة في بعض جامعاتنا لا تساعد على حياة جامعية تقود البحث العلمي وتعطي الأستاذ الجامعي مكانته وتعمل على بناء جيل ناضج يعرف دوره ويحس بمسئوليته تجاه مجتمعه ووطنه..

أعتقد أن قيادات بعض جامعاتنا تحتاج إلى من "يعينها على نفسها" لتخرج من جلباب الماضي وتقترب من الحاضر وإلا عليها أن تسلم الراية إلى جيل من أساتذة الجامعات لديهم القدرة على استيعاب الحاضر والتفكير في المستقبل.