الجهات الرسمية في الغالب الأعم تدفع بأنظمة تكون فعلا واقعية ومكتملة ووافية، لكنها تفتقر إلى التنفيذ، وما يجب عليها حيال ما تصدره من قرارات هو أن تتأكد أنها تنفذ على أرض الواقع
أصدرت وزارة التجارة في3 يناير من هذا العام 2012 توجيهاً للمنتسبين لقطاع مقدمي الوجبات الغذائية والمقاهي كافة بعدم فرض أي رسوم إضافية على أسعار المأكولات والمشروبات. وأمهلت منسوبي هذا القطاع 60 يوما من ذلك التاريخ تنتهي بنهاية شهر مارس 2012 لإزالة تلك الرسوم من قوائم الطعام لديها. وجاء ذلك التوجيه إنفاذاً للأمر السامي رقم أ/78 بتاريخ 13/4/1432 القاضي بالحد من المغالاة في الأسعار. وجاء في ذلك التوجيه أن الوزارة قد تلقت العديد من بلاغات المستهلكين عن فرض رسوم خدمة متفاوتة على الوجبات المقدمة من عدد من المطاعم وما يشكله ذلك من مغالاة في الأسعار، مؤكدة أن إجراء فرض رسوم الخدمة الذي اتخذته المطاعم والمقاهي ليس له سند نظامي، وأكدت على تعاون المواطنين للإبلاغ عن أي رسوم مخالفة بالاتصال على مركز التفاعل الذي وضعت رقمه على موقع الوزارة.. وفي خطوة لاحقة وُضِع على الموقع بريد إلكتروني خاص بالوزير للإبلاغ عن أي مخالفة أو ارتفاع في أسعار السلع.. هذه المقدمة الخبرية أردت منها إعطاء خلفية كاملة عن موضوع (رسوم الخدمة) وما تم بشأنه وكيف يُحتمل أن تتعامل معه المطاعم والمقاهي لزيادة الكسب على حساب المواطن حتى لو كان مخالفاً للأنظمة والتعليمات بعد انتهاء مدة الـ 60 يوما التي أعطيت لهم وماذا سيفعلون؟ هناك سيناريوهان أتوقع حدوث أحدهما: الأول أن يقوم المنتسبون لهذا القطاع بتعديل قوائمهم بحجة حذف رسوم الخدمة منها بالرغم من أن معظم تلك القوائم لا تتضمن الرسوم وإنما تضاف في الفاتورة بعد إصدارها.. وهنا لا حاجة فعلاً ماسة لتغيير القوائم.. لكن التغيير سيتم بهدف تغيير الأسعار داخل القوائم بحيث تضاف النسبة إلى الأسعار.. أي تكون النسبة ضمن السعر الموضوع في القائمة دون ذكر رسوم الخدمة. وكأننا نقول هنا كأنك يابو زيد ماغزيت، فالغالبية العظمى لا يحفظون أسعار القوائم القديمة، ولهذا لن يتمكنوا من المقارنة بين أسعار القوائم الجديدة وأسعار القوائم القديمة، وهذا إن تم على مرأى ومسمع من الجهات المختصة في وزارة التجارة فهو مشكلة كبيرة، ويعني أن المراسيم التي تصدر والأنظمة التي تبنى عليها لا فائدة منها طالما أنه يمكن الالتفاف حولها.
أما السيناريو الثاني الذي يمكن حدوثه، وهو ما نتوقعه في وزارة التجارة في ثوبها الجديد هو أن يكون هناك رقابة صارمة من قبل مفتشي الوزارة تتم بموجب هذه الرقابة مقارنة القوائم القديمة بالقوائم الجديدة، وإذا طرأ عليها تغيير تتم المحاسبة بحزم.. نعرف جميعا أن إصدار القرارات وحده لا يكفي، ونعرف جميعا أن هناك من الجشعين من سيعمل بكل ما استطاع من حيل ومكر للالتفاف حول تلك القرارات بمتابعة دقيقة وواعية ومكثفة ومستمرة.
الجهات الرسمية في الغالب الأعم تدفع بأنظمة تكون فعلاً واقعية ومكتملة ووافية، لكنها تفتقر إلى التنفيذ، وما يجب عليها حيال ما تصدره من قرارات هو أن تتأكد أنها تنفذ على أرض الواقع، والأمر أيضاً له وجه آخر متعلق بالمواطن نفسه، فهناك مقولة أكثر تتسم بعدم الدقة، وتصل إلى مرتبة الخطأ.. وهي أننا عندما نرى خطأً في شوارعنا أو أسواقنا أو نرى تصرفا سلبياً يصدر من أي شخص لا نلقي له بالاً.. ونقول خلها تجي من غيري.. وإذا كان كل واحد يقول هذا أو يؤمن به؛ فمعنى ذلك أننا نقبل الخطأ ونقبل السلبيات في شوارعنا وأحيائنا وأماكن سكننا ومجتمعنا حتى لو كانت معاناتنا فيها كبيرة، وهذا توجه غير صحيح نرتكبه جميعاً إما لعدم اكتراثنا أو لأنه يتطلب منا وقتاً أو جهداً للإبلاغ عنه أو المساعدة في القضاء عليه.
قد نكون سمعنا عن قصة المواطن الذي حاول أن يعبر ممر المشاة في أحد شوارع مدينة في الغرب ووجد أن إحدى السيارات متقدمة فوقف وطلب من صاحبها بإصرار أن يعود للوراء لأن عجلات سيارته لامست خطوط ممر المشاة.. هذا ينم عن وعي كبير في المواطن، وكذلك الإبلاغ عن أي سلبية أو المساعدة في القضاء عليها بالإبلاغ أو المشاركة يكشف مدى وعي مجتمعنا وحرصه على أن يكون مجتمعنا متحضراً لا يقبل أن تمارس فيه السلبيات على مرأى ومسمع من مواطنيه.. ولا يقبل أن يرى مواطنوه الأخطاء والسلبيات ويقفوا مكتوفي الأيدي.. صحيح أن هناك جهات مختصة لكل مجال من مجالات الحياة، لكن كما يقول المثل الجهات المختصة ليست شمساً شارقة ولا يمكن أن تغطي الجهات المختصة كل شيء وتعرف كل شيء وتساهم بكل شيء دون دعم ومساندة وتعاون إيجابي من المواطن، لأن المواطن في النهاية هو من يقدم الخدمة وهي تنتهي إليه.. هي تنطلق منه وتعود إليه.. فكيف يسكت على ما يراه من سلبيات؟ صحيح المواطن لا يتحمل المسؤولية، ولا يمكن إلقاء التبعات عليه ولا يمكن الاحتجاج بعدم تعاونه، هذه قد تكون شماعات تعلق عليها الجهات المختصة إخفاقاتها، لكنها عملية تكاملية يجب أن تتم بين الجهات المختصة والمواطن.. الجهات المختصة هي من يتحمل مسؤولية أي إخفاق، وهي المسؤولة عن إصدار الأنظمة ومتابعتها بكل حزم وعدم التردد في تطبيقها أو التهاون في ذلك.. وتعاون المواطن يكمل هذا المشوار.
خلاصة القول: إننا على أبواب نهاية الفترة التي أعطتها وزارة التجارة لأصحاب المطاعم والمقاهي لحذف رسوم الخدمة من قوائم الطعام.. والسؤال: هل ستتضمن القوائم الجديدة أسعاراً جديدة تدخل فيها رسوم الخدمة في ممارسة ملتوية وماكرة للالتفاف حول قرار حذف رسوم الخدمة من التسعيرة .. أم إن وزارة التجارة أذكى وأحرص وأشد من أن يتم الالتفاف حولها؟ هذا ما سنشهد عليه جميعاً. وهل هو مؤشر نفهم منه أن الرقابة على الأسعار يمكن الالتفاف حولها بطرق ملتوية وماكرة؛ أم إننا سنشهد إنجازاً جديداً مع وجه جديد لوزارة التجارة؟ هذا ما ستكشفه الأيام وإلى أن تنتهي المدة سيكون لنا حديث وكلنا أمل أن يكون هذا الحديث إيجابياً.