ولو كان لدين الله أن 'يشخصن' لأحدٍ، لكان أولى الناس/ صفوة الناس محمد، فداه كل من خان رسالته و'شخصن' تعاليمها! لكنه كما قال عن نفسه: 'أدَّبني ربي فأحسن تأديبي'، فحفل القرآن العظيم بأسمى آيات التأديب لشخصه
ولو كان لدين الله أن يشخصن لأحدٍ، لكان أولى الناس/ صفوة الناس محمد، فداه كل من خان رسالته وشخصن تعاليمها! لكنه كما قال عن نفسه: أدَّبني ربي فأحسن تأديبي، فحفل القرآن العظيم بأسمى آيات التأديب لشخصه صلى الله عليه وسلم، ليكون نموذجاً لكل مؤمن مسؤول أمام الله تعالى مسؤولية فردية خالصة؛ خلافاً لمعتقداتٍ فاسدةٍ استشرت في أمم سابقة، كعقيدة الخلاص؛ حيث يؤمن النصارى أن سيدنا/ عيسى ـ عليه السلام ـ صُلبَ تكفيراً لكل البشر، وأنه يتحمل أوزار المخطئين من أتباعه {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم}! وكعقيدة احتكار العلم الرباني من قبل أحبار اليهود، ورهبان الكنيسة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}! وكعقيدة مشركي العرب في وراثة العادات والتقاليد {إنا وجدنا آباءنا على أمَّةٍ وإنا على آثارهم مقتدون}! فجاء الدين الخاتم ليصحح كل تلك المفاهيم البالية، والمعتقدات المترهلة، بدءاً بتحديد مهمة نبيِّه العظيم، وحصرها في تبليغ ما أنزل إليه من الوحي: {فذكِّرْ إنما أنت مذكرٌ. لستَ عليهم بمسيطرٍ}! وكلما اجتهد اجتهاداً شخصياً بشرياً وأخطأ، نزل عليه الوحي بالعتاب أحياناً: {عبس وتولى. أن جاءه الأعمى} حيث ظن ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن رسالته ستقوى بهداية الأشخاص الأقوياء من صناديد قريش! فلما شج بعض أولئك الأشخاص الأقوياء جبينه الشريف، وكسروا رباعيته، وكادوا يقتلونه قال: كيف يفلح قومٌ شجُّوا نبيَّهم؟، كما في صحيح مسلم، ولعنهم واحداً واحداً؛ كما في رواية الترمذي! فجاء الوحي سريعاً ليذكره بحدوده الشخصية في سورة (آل عمران 127): {ليس لك من الأمر شيء}!
وربما بلغ التأديب حد الوعيد الشديد كما في سورة (الإسراء 74/75): {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً. إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً}!
كل هذا والله تعالى يعلم أن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يسعَ قط لمجدٍ شخصي، وإنما اجتهد لتبليغ الرسالة؛ حرصاً على هداية كل الناس {لعلَّك باخِعٌ نفسك أن لايكونوا مؤمنين}، وخوفاً عليهم من أبسط صور الظلم، كما في البخاري: إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار!
ولو كان لأحدٍ أن يحول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينه وبين النار لكانت فلذة كبده/ فاطمة الزهراء، التي رفض من حبه لها أن يؤذيها سيدنا/ علي بالزواج عليها، ومع هذا يحذرها: يافاطمة أنقذي نفسكِ من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً! وصلوا على النور المبين وسلموا!