أستغرب جدا من ترديد بعض الزميلات المتحمسات للمرأة، آخرهن العزيزة أمل زاهد فيما نقلته في مقالها يوم الجمعة الماضي؛ بالقول إن قيادة المرأة للسيارة ليست أولى قضاياها؛ وينبغي على حد تعبيرها؛ أن تُرفع الوصاية أولا عنها
أستغرب جدا من ترديد بعض الزميلات المتحمسات للمرأة، آخرهن العزيزة أمل زاهد فيما نقلته في مقالها يوم الجمعة الماضي؛ بالقول إن قيادة المرأة للسيارة ليست أولى قضاياها؛ وينبغي على حد تعبيرها؛ أن تُرفع الوصاية أولا عنها باعتبارها كاملة الأهلية؛ وحينها ستحصل على كامل حقوقها ومنها قيادة السيارة!! ومثل هذا الرأي جميل جدا؛ لكنه ـ للأسف ـ مثالي جدا؛ يفتقد أصحابه حس التعامل اليومي مع واقع المرأة ومشاكلها؛ بسبب تعطيل هذه القضية؛ خاصة الفقيرات ومن لا عائل لهن؛ بل وواقع المجتمع وحاجته لهذا القرار؛ ولا أعلم ربما تناست زميلاتي أن تحديات المرأة السعودية في الحصول على اعتراف بكامل أهليتها هي تحديات كبرى تحتاج لمئة عام وأجيال لتُزال؛ فالمرأة الأمريكية حتى الآن لم تصل لهذا الاعتراف ولتكافؤ كامل مع الرجل؛ فهل على المرأة السعودية اليوم أن تنتظر خمسين عاما أو أكثر وهي وبختها كي تقود السيارة ؟!
وفيما يبدو أن الصديقة العزيزة أمل وزميلاتها في الرأي؛ وقعن ضحية غواية الخطاب الذكوري الاجتماعي؛ فأول من صدّر هذا الرأي المثالي بقصد تمييع وتعطيل القضية؛ هم المعارضونالذكور لقيادتها؛ لغواية وزعزعة المرأة نفسها في ترتيب أولوياتها حين تطالب بها؛ وإشغالها بقضية مثالية تحتاج لبح الصوت وجيل ثان وثالث من الكاتبات يكملن المطالبة لإسقاط الوصاية عنها والاعتراف بأهليتها؛ ومؤسف وقوع بعض كاتباتنا فريسة لتحايل هذهالذكورية فتزعزع أولوياتهن؛ ويحققن خلالهن هدف المعارضين الذين سيأوون إلى الصمت؛ بما أن نون النسوة ستنتج ذات الغواية دون قصد؛ وفاتهن أنه حين تتحول قيادتها للسيارة إلى قضية ثانوية؛ فلا داعي إذن من تحققها لأنها ليست بذات أهمية!!
ويبدو أيضا؛ أن صاحبات هذا الرأي وهن كثيرات؛ تعنصرن للمرأة؛ فلم يرين في القضية سوى حقها؛ ولهذا هي ليست أولى قضاياها بالتأكيد؛ لكنهن تناسين أن قيادتها للسيارة هي أيضا قضية الطفل والأسرة والمجتمع السعودي بأكمله؛ والمطالبة بها ضرورة اجتماعية واقتصادية كبرى؛ فقد بات المجتمع بكامل شرائحه في أمس الحاجة لهذا القرار؛ كي يُنقذه من الأمراض الاجتماعية والجرائم البشعة التي يتسبب فيها ملايين السائقين الوافدين لدينا؛ والله وحده يعرف خلفياتهم الأخلاقية ممن تخلصت منهم دولهم بتأشيرة سائق؛ وصلوا إلى ثمانية ملايين كما يُزعم؛ ومعظمهم يقيمون لسنوات بيننا دون زوجات؛ وقد نتذكر حادثة الدمام البشعة حين انتهك سائق عازب شاذ عورات عشرات الصغيرات وعشرات النساء؛ ناهيك عما تخبرنا به صحافتنا شبه يوميا؛ عن الجهود الأمنية في مداهمة أوكار الدعارة وصناعة الخمر التي يقوم عليها الوافدون المتخلفون لزبائن من أمثالهم المغتربين؛ كما أن الأسرة السعودية اليوم باتت تحتاج لقرار قيادتها؛ كي تتخلص من العبء المالي المتمثل برواتب السائقين ومصاريفهم؛ في ظلّ قلة الرواتب وغلاء المعيشة وفواتيرها التي تعجز أحيانا عن سدادها؛ أو توفير حلمها بتملك شقة؛ وحتى الدولة تحتاج لهذا القرار؛ لتتخلص من استنزاف هؤلاء السائقين لأموالنا وبالمليارات حين يصدرون رواتبهم.
باختصار؛ قيادة المرأة للسيارة هي قضية أولى وملف ساخن للمجتمع بأكمله؛ والمرأة في الأرياف والقرى أدركت أولوياتها؛ ولم تقع تحت غواية ذكورية المجتمع.