تشتعل جذوة النقاش (الفقه سياسي) هذه الأيام بين آراء أصحاب الفضيلة المتباينة حول شرعية زيارة المسجد الأقصى
تشتعل جذوة النقاش (الفقه سياسي) هذه الأيام بين آراء أصحاب الفضيلة المتباينة حول شرعية زيارة المسجد الأقصى في هذه الظروف وبالخصوص بعد رأي فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الذي رأى في الدعوة لهذه الزيارة مدخلا إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. وسأبدأ بالنقاش حول مفردة (هذه الظروف الراهنة) التي لا تخلو منها جملة واحدة تتناول هذه القضية: فاسم الإشارة في (هذه) الذي يدل على – القرب – وثنائية الظروف الراهنة التي تحاول عبثا اختصار الزمن لهما حتى اليوم بالضبط 64 عاما منذ عام 48 وهو زمن كان جدا لأحلام ثلاثة أجيال وكل جيل يكذب على الذي يليه بتحرير الأرض المباركة. ومن المؤكد، وبحسب الظرف الراهن، لأوضاعنا وموازين القوى المختلة أننا سنورث هذه الكذبة لخمسة أجيال قادمة على الأقل، ومن الكذبة الكبرى التي نخدع بها أنفسنا مثل رؤوس النعام إذا ما قال جيلنا الحالي إنه يستطيع زيارة القدس وهي عاصمة حرة محررة ومستقلة ومن كان له رأي مناقض فليفزع به تبرعا لهذه الأمة الخالدة المجيدة. وبجملة واضحة من ثلاث كلمات (زوروها إذا لم تحرروها) واقرؤوا معي حيثيات جملة ما بين الأقواس السابقة.
دعونا مع القدس ومع المسجد الأقصى المبارك نفعل بالضبط ما فعله اليهود والصهيونية حتى سحبوا البساط من تحتنا في هذه المدينة. قبل مؤتمر هيرزال والصهيونية العالمية في النمسا وقبل قرنين كانت نسبة سكان القدس من اليهود لا تتعدى عشرة بالمئة. وقبل عام 48 بقرن ونصف القرن كانوا يدفعون باتجاه الزيارة والاستيطان كي تصبح القدس نفسها – محجة – ومزارا وكانت الطوابير المفتعلة بالآلاف في الطابور الواحد تزرع في الوعي العالمي صورة الوعي الزائف بحق مختلق ومن المفارقة بمكان أن النسبة السكانية السابقة ستكون العكس تماما بعد عقدين من اليوم. الزيارة برمزيتها لو أننا فعلنا هي رسالة تأكيد وإصرار على الحقوق ولكننا للأسف الشديد لم ننظر للإطار في صورته الأكبر فلم يبق للمسجد الأقصى سوى ما يسمح به اليهود من المصلين بشرط تجاوز الخمسين من العمر. وتصوروا لو أننا على الأقل فرضنا أدنى ما نستطيع ولو بالصلاة في أقصى حدود المتاح على أطراف المدينة في أراضي السلطة الفلسطينية ولو أننا كل جمعة بنصف مليون مسلم يصلون في الهواء الطلق أمام العالم على مشارف المدينة. اليهود يشترون أحياء القدس ويدفعون للفقراء من أهلنا عشرة أضعاف قيمة المتر الواحد ويواصلون مسيرة – التهويد – بنجاح هائل ونحن أضعف حتى من المقارعة الرمزية ولو بالإصرار على الصلاة على مرمى النظر.