الصناعة في بلادنا ليست أقل أهمية من الزراعة، بل هي الأهم من حيث البعد والعائد الاقتصادي
ليس للمملكة خيارات قوية وأساسية لدعم اقتصادها على المدى الطويل سوى خيارين؛ الأول تطوير السياحة الدينية ـ كما يسميها البعض ـ لتصل إلى ثلاثين مليون حاج ومعتمر وزائر للمقدسات الإسلامية والتخطيط للاستفادة من هذه الملايين اقتصاديا وقد يكون هذا هو البديل الأبعد مدى.
أما الخيار متوسط المدى، فهو خيار إنتاج وصناعة المنتجات البترولية والمنتجات المستخرجة من الغاز والثروة المعدنية وهي صناعات عملاقة تمثل عنصرا أساسيا في دعم العائد الاقتصادي لميزانية الدولة من الصناعات الحكومية والمشتركة وتمثل داعما أساسيا في زيادة الناتج القومي من القطاع الخاص.
وصل عدد المصانع المنتجة في المملكة بنهاية الربع الثالث من عام 1432 إلى (4952) مصنعا منتجا تمثل قوة صناعية منافسة إقليميا ودوليا للصناعات الأساسية وكان وراء هذه الصناعات استثمارات عملاقة يقدر حجمها بحوالي (509) مليارات ريال وبلغ عدد العاملين بها 617 ألف موظف وعامل وبلغ عدد المجمعات الصناعية حوالي 42 مجمعا وتمثل الصناعات المتوسطة والخفيفة أكثر من 400 مصنع وبلغت القروض الصناعية للمصانع السعودية حوالي 78,5 مليار ريال قدمت للمساهمة في إنشاء 2284 مشروعا صناعيا في مختلف أنحاء المملكة, وتستحوذ 97 مصنعا من الصناعات البترولية المكررة على النسبة الأكبر من المشاريع الممولة بنسبة 40,8% من إجمالي التمويل ثم تليها الصناعات الكيميائية والتي بلغت 548 مصنعا بقيمة إجمالية للتمويل بلغت نحو 79 مليارا بنسبة 15,3% ثم صناعة منتجات المعادن اللافلزية 795 مصنعا بـ53,9 مليار ريال بنسبة 10,5% من إجمالي التمويل ثم تليها الصناعات الأساسية للمعادن بـ315 مصنعا بقيمة 43,8 مليار ريال تمثل 8,6% من إجمالي التمويل.
وبلغ عدد مشاريع صناعة المواد الغذائية والمشروبات 775 مصنعا بإجمالي تمويل 42 مليار ريال بنسبة 8,2%.
ومع هذا الاهتمام الكبير لتمويل المصانع الوطنية تركز الاستراتيجية الوطنية الصناعية رؤية وطنية للدور الأساسي لقطاع الصناعة في النمو وفي التنمية وفي ترسيخ واستدامة الثروة في المملكة عن طريق تعظيم عائدات ثرواتها الطبيعية واستثمارها لتوطين العمالة والخبرات البشرية المنتجة ولتنويع الاقتصاد نحو صناعة منافسة واقتصاد يبني دعائمه على المعرفة والبحث العلمي المنتج ومن أنجح خطط المملكة في دعم موارد اقتصادها والاستفادة القصوى من مواردها الأساسية هو قرارها عام 1396هـ بإنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك وذلك لتحقيق الأهداف الاستراتيجية في خطط التنمية الصناعية لبناء قاعدة صناعية للصناعات الأساسية لتغطية الاحتياجات المحلية والإقليمية وتتنافس بمنتجاتها في الأسواق العالمية بجودة عالية ووفق المواصفات العالمية وبالفعل حققت شركة سابك نجاحا كبيرا واستطاعت أن تسوق منتجاتها في أكثر من 100 سوق عالمي من إنتاج 19 مجمعا صناعيا وحققت نجاحا كبيرا على مستوى الأرباح السنوية حيث بلغت الأرباح الصافية خلال الربع الثالث من العام الماضي حوالي 8,19 مليارات مقابل 5,33 مليارات ريال من العام قبل الماضي بارتفاع 54%
وبناء على نتائج جميع الدراسات والأبحاث التي تؤكد على أن مستقبل الصناعات التحويلية في السعودية محفز جدا للاستثمار فيها وتقود هذا الاتجاه شركة أرامكو السعودية في إنتاج المواد البلاستيكية سواء عن طريق مشاريعها في الصين بمشاركة دولية وباستخدام المواد الخام السعودية أو مشاريعها في المملكة المشتركة مع شركة (سوموتومو) اليابانية في بترو رابغ من خلال بناء مجمع بترو رابغ أو من خلال مجمع صدارة للبتروكيماويات في الجبيل بالتعاون مع الهيئة الملكية في الجبيل وينبع وشركة سابك والذي يعتبر أحد أكبر المجمعات الصناعية في العالم.
أما عن الصناعات العملاقة الأخرى في مجال محطات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وصناعة الحديد والأسمنت والألمونيوم وغيرها فهي صناعات تتطور وتنمو بناء على نمو الطلب عليها وبناء على التنمية المتسارعة.
هذه نبذة عن مستقبل الصناعة تؤكد لنا أن خيار المملكة الأساسي في نمو اقتصادها هو الصناعة، وعلى وجه الخصوص الصناعات البترولية والبتروكيميكال، ورغم هذه الأهمية الكبرى للصناعة وهذه المليارات المخصصة لدعم البنية التحتية، ودعم تمويلها إلا أنه وللأسف ما زالت الأجهزة المعنية بالصناعة متعددة ومتفرقة نتيجة ضم وزارة الصناعة إلى وزارة التجارة، رغم أن قرار استقلالية وزارة الصناعة يهدف لإعطاء الصناعة دعما وتركيزا مباشرا، وبالفعل نجحت وزارة الصناعة في فترة إنشائها في تحقيق إنجازات ضخمة وناجحة هي أساس الصناعة التحويلية والأساسية والغذائية في المملكة ولا أعلم ما الإستراتيجية والمرتكزات الأساسية التي بني عليها قرار دمج وزارة الصناعة بوزارة التجارة، وأخشى أن يضيف قرار الدمج عبئا إضافيا قد لا يدفع إلى الاتجاه لدعم الصناعة والصناعيين، وقد أبديت وجهة نظري منذ قرار الدمج وشاركت معي مجموعة من الصناعيين بالرأي.
وأخيرا، أتقدم اليوم باقتراح آخر إذا كان قرار فصل الصناعة عن وزارة التجارة أمرا مستحيلا وهو الاقتراح بإنشاء مؤسسة عامة للتنمية الصناعية يرأس مجلس إدارتها وزير التجارة وبعضوية صندوق التنمية الصناعية وتمثيل لشركة أرامكو وشركة سابك وهيئة المدن الصناعية وعدد من رجال الصناعة بالمملكة وعضوية وزارة الكهرباء ووزارة النقل وأعضاء من المدن الاقتصادية ووزارة البلديات ويكون رئيس المؤسسة العامة للتنمية الصناعية على وظيفة نائب وزير بمرتبة وزير أسوة ببعض المؤسسات العامة التابعة لبعض الوزارات المتخصصة.
إن الصناعة في بلادنا ليست أقل أهمية من الزراعة، بل ـ من وجهة نظري الاقتصادية ـ هي الأهم من حيث البعد والعائد الاقتصادي، وهي مستقبل الوطن الاقتصادي ومقوماتها أكبر وأوفر من مقومات نجاح المشاريع الزراعية رغم أنني لا أستبعد البعد الاجتماعي في التنمية الزراعية مع عدم توفر مقوماتها الأساسية وهي الماء.