(أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد) هذه الجملة التي جاءت لتمثل محورا لخطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح أعمال القمة الخليجية الثانية والثلاثين التي عقدت في الرياض، والتي مثلت تحولا في خطاب العمل المشترك طيلة مسيرة مجلس التعاون منذ تأسيسه في مايو العام 1981، أي بعد عامين فقط من قيام الثورة الإيرانية، التي أدت إلى ظهور واقع سياسي جديد في المنطقة، لم يكن من الملائم أن تتعامل معه دول الخليج إلا من خلال رؤية سياسية واحدة، وكيان سياسي تتحد مصالحه ومصائره وعوامل استقراره وأمنه. وإن شهد المجلس بعض الخلاف والتنوع في وجهات النظر خاصة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية إلا أنه ظل يقدم تحالفا سياسيا قادرا على المواجهة، وحين كان نظام صدام حسين المتهور في بغداد يمثل خطرا وتهديدا آخر لدول المجلس وصل إلى أقصى مغامراته حين اجتاحت قواته الكويت كان لمجلس التعاون الخليجي وبقيادة سعودية الدور الأبرز في استقطاب إجماع عالمي وإقامة تحالف عسكري دولي وتحرير الكويت وإخراج القوات العراقية.
الدعوة إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد تأتي وسط تحولات سياسية واسعة تعيشها المنطقة، تتجاوز في سرعتها وتنوعها تلك الظروف التي صاحبت ولادة دول المجلس؛ فالنظام الإيراني لا يزال يشكل خطرا حقيقيا على دول المنطقة، والرهان على مواقف عالمية سوف تؤدي إلى إخماد وضرب المارد الإيراني لا يبدو أنها السبيل الأمثل للتعامل مع هذا الخطر، خاصة أن اشتداد الأزمات الداخلية الإيرانية يزيد من احتمالات وقوع تهور إيراني جديد، إضافة إلى أن الواقع الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة أو للاتحاد الأوروبي لا يمكن تلك الدول على كل حال أن تكون حاضرة وقادرة على خوض نزاعات عسكرية إقليمية، ومع مرارة التجربة التي خاضتها تلك القوى في كل من العراق وأفغانستان يصبح استعدادها للاشتراك في نزاعات مسلحة أقل وأبعد احتمالا.
منذ أيام، وفي افتتاح أعمال الدورة الثانية والعشرين بعد المئة للمجلس الوزاري لوزراء الخارجية بدول المجلس، تحدث الأمير سعود الفيصل موضحا أن الانتقال إلى مرحلة الاتحاد لا يعني المساس بسيادة الدول الأعضاء ولا التدخل في شؤونها الداخلية. هذا الحديث مهم للغاية لأنه يجيب عن أبرز الأسئلة التي تدور في مختلف دول المجلس حول مصير وواقع دول المجلس بعد الاتحاد وهل يتضمن ذلك التحول أي تغيير في واقع السيادة والواقع الداخلي لكل دولة؟ هذا القلق ربما أن له ما يبرره على الواقع الاجتماعي والسيادي فقط، ذلك أن العوامل الأبرز في عملية الاتحاد تدور حول الأذرع الثلاثة الأكبر والأعلى تأثيرا وهي: الذراع السياسي، والذراع الاقتصادي، والذراع العسكري. وما عداها فهي قضايا داخلية يحق لكل دولة أن تحتفظ فيه بما تراه من مناخ ملائم لها اجتماعيا وثقافيا، وفي تجربة الاتحاد الأوروبي أكبر دليل على ذلك. فما زالت لكل دولة أنظمتها الداخلية وواقعها الاجتماعي والثقافي الذي تحول إلى تنوع وثراء وقوة لدول الاتحاد.
تتناول بعض الآراء في دول المجلس قضية الاتحاد من خلال معادلة الدولة الكبيرة والدول الصغرى، بل يبالغ البعض في تصور أن الاتحاد مجرد ترسيخ لشخصية الأكبر المتمثل في المملكة العربية السعودية، بينما يرى البعض في غياب التمثيل البرلماني وتفاوت مستوى العمل السياسي الداخلي عائقا آخر في تحقيق الاتحاد، إلا أن كل هذه المخاوف تنتج في الغالب عن فهم غير سياسي ولا منطقي لفكرة الاتحاد، فليس المطلوب أن أصبح كويتيا ولا أن يصبح العماني سعوديا، بل سوف تترسخ كل تلك الكيانات وتحظى بواقع سياسي واقتصادي أعلى، وفي دول الاتحاد الأوروبي ظلت البرلمانات الداخلية مع اختلافها في كثير من الصفات تحافظ على دورها وتسهم في صياغة مواقف دولها من القضايا الخارجية.
إن اللجان التي تم تشكيلها يجب أن تكون على مستوى طموح دول المجلس وعلى مستوى تطلعاته، بل على درجة من الاستيعاب أن التحول إلى الاتحاد ليس مجرد تحديث في واقع المجلس لكنه ضرورة فعلية تمليها كل هذه التحولات التي تمر بها المنطقة. إن العوائق الحقيقية في وجه تحقيق الاتحاد ليست قوانين قيادة المرأة للسيارة في السعودية ولا انتخابات مجلس الأمة الكويتي، إن العائق الأبرز هو العمل على هذا المشروع بدون جدول زمني محدد وبدون تصميم واتفاق حقيقي على الهدف مما يعني أن المشروع بحاجة لفترات زمنية محددة لبحث كل الملفات والعمل على تحقيق ذلك الحلم الخليجي الذي سيمثل ضمانة الاستقرار والمستقبل والنماء.