الباقون في أمس نماذج تراثية الرؤية والأداء والهدف، وللأسف فهم متواجدون في كل شرائح المجتمع ومكوناته الإدارية والتربوية والعسكرية والإعلامية والرياضية والثقافية والاجتماعية. والبقاء في أمس لا يرتبط بعمر محدد

الباقون في أمس نماذج تراثية الرؤية والأداء والهدف، وللأسف فهم متواجدون في كل شرائح المجتمع ومكوناته الإدارية والتربوية والعسكرية والإعلامية والرياضية والثقافية والاجتماعية. والبقاء في أمس لا يرتبط بعمر محدد ولا بسن معين بقدر ارتباطه بطريقة تفكير وممارسة سلوك.
فالإداريون الباقون في أمس لا يؤمنون بالتقنية ولا بالتطوير ولا بالتغيير، بل يقدسون الأوراق والملفات الخضراء. لا يقدرون كفاءة ولا يحترمون مبدعا ولا يستمعون إلا لصوت روتينية الماضي.
الباقون في أمس من التربويين والأكاديميين هم من يقدس الحفظ ويئد المواهب، وينسب أي ضعف في المخرجات التعليمية إلى ضعف في المنهج أو الطالب، ولو كان منصفا لعرف أن كل شيء تغير إلا هو، فالجيل تغير والمناهج تغيرت، وبقي لنا أساتذة بفكر أمس، لم يطلهم التغيير؛ لذلك فقدوا تقدير الأستاذ وهيبة المربي.
أما الباقون في أمس من العسكريين فهم ذلك النوع الذي يرى أن الجانب الشكلي من الحياة العسكرية في الصرامة واللباس والتقاليد هو الأهم، يركز على الحضور والانصراف ولا يعنيه ما بينهما، فقُدم (الانصياع) على (الإبداع)، وقُدمت (النمطية) على (الحرية)، وقُتلت الروح العسكرية المبدعة باسم الانضباط والتقاليد.
الباقون في أمس من الإعلاميين هم أولئك الذين يخاطبون (جيل تويتر) بأكثر من 140 حرفا، وهم ذلك النوع الذي ما زال يتشبث برسمية الإعلام في عصر (تويتر) و(يوتيوب) فلم يستطيعوا الإقناع داخليا، ولا المنافسة خارجيا، وأصبحت رسالتهم الإعلامية رسالة (تشويش) حتى على المنجزات والأهداف النبيلة.
الباقون في أمس رياضيا هم من يعمل برعاية الشباب ولا يحمل أفكار الشباب، الرياضة عندهم لا تتجاوز (التسلية) إلى (الإنجاز)، لذلك أصبحت المنتخبات تسلية لإنجازات الآخرين. وأصبح طموحهم الوحيد البقاء في أمس ليذكرهم بشبابهم الذي مضى.
الباقون في أمس ثقافيا هم من يرى أن الثقافة حكرا على الأدباء، وأن علاقة المثقف ورقية أكثر منها مجتمعية، لذلك بقوا في أبراجهم العاجية، فتجدهم لا ينزلون لميدان الفعل الثقافي والتنموي، ويكتفون بممارسة الازدراء الثقافي والإقصاء الثقافي، ضد كل من يخالفهم الرأي، وأحيانا يفتعلون ذلك بينهم لكي لا يطويهم النسيان.
أما الباقون في أمس مجتمعيا، فهم أولئك الذين تنطبق عليهم من حيث لا يشعرون مقولة أن شدة الافتخار بـ(الأجداد) هو اعتراف ضمني بعدم تميز (الأحفاد)، هم ذلك النوع البشري الذي يقدس الماضي ويعيش فيه، ويعتز و(يعتزي) بـ(كان وأخواتها)، ويقسمون كل يوم بأن لهم (أمس) وأنهم لن يغادروه.
تتويت:
البقاء في أمس طريقة تفكير تتشبث بفكر الماضي وتقدسه، لا تؤمن بالتجديد، ولا تعطي فرصة للشباب، ولا للإبداع، النماذج التي تحمل هذا الفكر نماذج لا تؤمن بأي شيء ولم تنجح بأي شيء سوى البقاء في مكانها.