(أنا اتفق بشكل كبير أن النصوص المستغلقة في الكثير من الروايات، وبالأخص في الروايات المترجمة إلى العربية سبب في عدم قراءتها وبالتالي عدم انتشارها وضعف تأثيرها من حيث الأفكار التي تحملها والمعاني التي يريد الراوي إيصالها...). هكذا جاءت مداخلة في موقع الوطن أون لاين وقعت باسم عبدالملك، دون أن أتساءل لماذا يكتفي البعض باسم واحد ولا يعرف بنفسه كاملا، فبعض المداخلات تنبئ عن أنماط تفكير إيجابية قد لا تتوفر كثيرا في بعض كتاب محترفين، المهم تقاطعت تلك المداخلة بجمال مع الفكرة التي طرحتها مقالة الاثنين الماضي والتي حملتها عبارة ماركيز الواردة في ثنايا سيرته نعيشها لنرويها وهو يتحدث عن أوليسيس والصخب والعنف لجويس وفوكنر.
فإشكالية صعوبة قراءة بعض الأعمال الروائية من قبل البعض، افترضت اتكاء على رؤية ماركيز أن ثمة نصوصا قد تكون مستغلقة على قدرات قرائية وذائقات وآليات تلقي معينة، في سن معينة وفي لحظات زمنية معينة أيضا. وهذه اللحظات لا تنفك - في تقديري – عن بنى معرفية واضحة المعالم ومحددة الأطر والمعايير.
وإذا ما كانت هذه البنى هشة أو رخوة عند المتلقي، لست أعرف إلى أي حد يمكن أن يعوضها ما يمكن أن اسميه الدأب المعرفي، فغالبا في المجتمعات التي لا توفر مناخات لبناء معرفي متدرج وتراكمي، تبزغ نبتات عثرية تشتغل على ذواتها، فتؤسس تكوينا معرفيا مشوبا بمعايب كالتذبذب، الذي لا يتورع بعض الحديين عن تسميته بـالمعرفة المفتقرة للعمق، والعمق لا تسهم في تأسيسه القراءة فقط كمصدر وحيد للمعرفة.
عربيا تواصل الكثيرون مع مستغلقات فلكلورية وشعبية في روايات ماركيز وإيزابيل الليندي وجورجي أمادوا واستورياس وساباتو وغيرهم من دهاة السرد والحكي في أميركا الجنوبية، ونظرائهم في الراوية البابانية أو الأفريقية، لأن المعرفة بتلك العوالم، لم تكن القراءة مصدرها الوحيد، بل صاحبتها صورة بصرية، عبر المعاينة، أو الكاميرا بكل تجلياتها، وهكذا تضيق مساحة الاستغلاق في العمل الروائي. أي أن هناك خبرة من نوع ما تمنحك كقارئ قدرة على فض مغاليق النص. كأن تعرف شيئا ما عن تصور الكردي للماء كي تقترب من إبداع سليم بركات، أو تعرف دلالات ومفردات العمارة القديمة في الحجاز، ومفاهيم وأسرار ومختصرات أشياء كثيرة في بيئة قد تكون مغايرة. لا بد أن تكون على أقل معرفة بمفردات الريف لتتواصل بمحبة مع إبداع عبدالعزيز مشري أجمل من كتب الريف السعودي في الرواية بوعي ورؤية حتى الآن. أنت لن تستعذب (طائف الأنس) للمبدع الرزين عبدالعزيز الصقعبي إن لم تكن على دراية بسيكولجية مدينة الطائف خلال عقود الخمسينيات والستينيات حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي.. وهكذا.