إذا سمعت أحداً يقول فلان طير حوران فلا بد من أنك تفهم أنه يقصد أنه شجاع وقوي. والحقيقة أن الصقر ليس فقط قوياً وجميلاً وعاملاً نشيطاً، لكنه أيضاً كائن في سلوكياته كثير مما يجلب الدهشة، فإذا تعرض لجرح أو إصابة قرر أن يطير نحو أعلى قمة، وهناك يبقى ليداوي نفسه وجراحه، فإذا شفي عاد!! إن ذلك أمر ملهم حقيقة، فما فائدة أن يرى الآخرون بكاءك أو ألمك أو حزنك غير أن تحصد منهم الشفقة؟! بينما شفاء ذاتك بيد الله ثم بيدك لا بيد الآخرين. وبالمناسبة، طير حوران هو نوع من الصقور يعيش في حوران، وهما المدينتان السوريتان الرمثا ودرعا، وأظنك عزيزي القارئ تعرفهما، وتعرف أن رفض الشعب السوري للظلم انبثق من هاتين المدينتين العظيمتين، ولا أدري هل لاعتياد الشباب على رؤية طير حوران يتجول في سماء مدينتيهما أثر على روح الرجولة والشجاعة التي تتفجر في صدورهم ضد الظلم والطغيان!
طيور الرخم تظل طوال الصباح جاثمة في أعشاشها لا تبحث عن صيد، فإذا تأكدت أن ثمة صيداً أكل منه صاحبه وتركه أسرعت إليه وأكلت ما تبقى منه؛ لذا اعتادت العرب على تسمية الرجل الجبان الكسول بـ(الرخم) أو (الرخمة).
إن كل ما سبق يقود للحديث عن صناعة الإنسان الشجاع والقادر على التغيير، قليل التشكّي، الباحث عن رزقه وعمله وتفوقه... هل ما نفعله ونحن نربي أبناءنا سيؤدي بنا للحصول على رجال ونساء مثل طير حوران، أم مجرد مجموعات من الرخوم تنتظر بقايا الآخرين؟ إن التعليم والأسرة هما العنصران الأهم في هذه القضية؛ فالتعليم الذي يعطي الطالب كتاباً ويمتحن فيه ثم ينجح مثل الآلاف غيره يعلمه أن ينتظر ما بحث عنه الآخرون، بينما التعليم الذي يحوّل الطالب إلى باحث وعامل في الوقت نفسه يُحدث الفرق في حياته عندما يكبر؛ لذا من المعتاد أن تجد في المدارس في البلاد المتطورة حديقة خاصة بكل فصل يزرعها الطلاب، ومعامل مختبرات يجرب فيها الطلاب، أما في المنازل فنادراً ما تجد خادماً ولا أختاً تلزم بتنظيف غرفة أخيها وكيّ ملابسه؛ لأنه مسؤول عن غرفته ونظافته وطعامه، بل مصروفه، فيقتطع من وقته زمناً يعمل فيه في مقهى أو محطة بنزين، مهما كان مستوى دخل أسرته.
إن علينا أن نعيد النظر مجدداً في طريقة تربيتنا وتعليمنا إذا أردنا أن نحصل على رجال ونساء أشداء، فالثروات المادية لا تبقى كثيراً، والفائدة منها محدودة، عكس صناعة الإنسان فهي فقط ما يحدث الفرق في المجتمعات، ولكم أن تنظروا لليابان وماليزيا التي لا تملك ثروات مادية واستطاعت أن تجعل العالم كله يصنفها دولاً عظيمةً اقتصادياً وثقافياً.