مسؤولية وزارة العمل فرض سعودة بعض المهن تدريجياً في القطاع الخاص، ووضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 4000 ريال، بالإضافة إلى مميزات العلاج وبدل السكن.. على أن تتحمل 'الموارد البشرية' نصف تكلفة رواتبهم
أكثر من نصف قرن مضى على تاريخ الاهتمام بالتعليم الفني والتدريب المهني، كان من ضمنه إنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني. والحقيقة أنها جهود متميزة بذلها القائمون على هذه المؤسسة منذ إنشائها، ويعود الفضل للقيادة السعودية في رصد المليارات لدعم وتطوير التعليم الفني في السنوات الأخيرة. وقام جميع المسؤولين في المؤسسة من رئيسها إلى مديري فروعها إلى القائمين على التدريب فيها بواجبهم ومسؤولياتهم، حسب الخطط المرسومة لهم. ولقد عمل رئيس المؤسسة الحالي، الدكتور علي الغفيص، جهودا جبارة لتطوير هذه المؤسسة فنياً وعمرانياً، وهو أحد خريجيها، وهو أحد الذين بدؤوا ربط المؤسسة بالقطاع الخاص من خلال اللقاءات الثنائية التي أعدها وأشرف على تنفيذها عندما كان مسؤولاً عن هذا القطاع في أول مسؤولية له بعد حصوله على درجة الدكتوراه، حيث قامت الغرف التجارية الرئيسية مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في عهد معالي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب عطار، رئيس المؤسسة آنذاك، بربط برنامج عمل المؤسسة التدريبي والتأهيلي باحتياجات سوق العمل من التخصصات والمهن، ثم أعقبه زملاؤه من الرؤساء في المؤسسة. وخصصت الدولة في السنوات الخمس الماضية ميزانية ضخمة جداً لتطوير منشآت المؤسسة، وتخرج عشرات الآلاف من الشباب السعودي من هذه المؤسسة. وأخيراً يُطرح السؤال: هل حققت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أهدافها؟ والسؤال الثاني المطروح إعلامياً هو: هل حققت الدولة أهدافها من إنشاء هذه المؤسسة المتخصصة في التعليم الفني والتدريب المهني؟ ومن وجهة نظري الشخصية والعملية والمبنية على خبرتي الطويلة أحاول أن أجيب في مقالتي اليوم على هذين السؤالين في الوقت الذي يُطرح هذا الموضوع في الإعلام المرئي والمقروء.
فإجابتي على السؤال، هل حققت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أهدافها؟ نعم لقد حققت المؤسسة الأهداف الرئيسية من إنشائها، وهي تعليم الشباب السعودي على مهن متخصصة، والتأكد أن الشباب المتخرج من هذه المؤسسة قادر على القيام بمهام ومسؤولية الوظيفة المهنية التي تتاح له في سوق العمل. وتبني المؤسسة خططها وبرامجها من الناحية الفنية والأكاديمية بناءً على أعلى المستويات المطبقة في مؤسسات مشابهة في الدول الصناعية المتقدمة، وذلك حسب علمي واطلاعي على بعض هذه البرامج. واستقطبت المؤسسة المتميزين من الخريجين وابتعثتهم إلى أفضل مراكز التدريب والتعليم ليعودوا كمدربين وأساتدة مهنيين لطلبة المؤسسة. وأجزم أن المؤسسة حققت نجاحات في تطوير برامجها ومعاملها وكفاءات مدربيها. أما الإجابة على السؤال الثاني، هل حققت الدولة أهدافها في إنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني؟ فالإجابة من وجهة نظري الشخصية والعملية أن الدولة قد فشلت في تحقيق أهدافها من خلال هذه المؤسسة، إذا أخذنا في الاعتبار أن هدف الدولة الرئيسي هو تعليم وتدريب وتأهيل شباب سعودي لتشغيلهم للقيام بمهام ومسؤوليات الوظائف والأعمال المهنية، وذلك بهدف إحلال الشباب السعودي مكان العمالة المهنية الوافدة، سواء أكانت تعمل على وظائف مهنية أو تعمل لحسابها الخاص.
نعم لقد نجحنا في تحقيق هدف التعليم الفني والتدريب المهني، وفشلنا في هدف التشغيل لهولاء الشباب الخريجين. وهذه القضية تتشابه مع قضية خريجي الجامعات السعودية والمعاهد الفنية الأخرى. والأسباب كثيرة وفي كثير من الأحيان يتهم البعض المؤسسة بأنها السبب، وأنا لست محامياً أو مدافعاً عن المؤسسة وإنما محللاً للقضية؛ أؤكد أن المؤسسة ليست السبب، لأن أهدافها الرئيسية تعليم فني وتدريب مهني على أعلى المستويات، وبالإمكان قياس نجاحها أو فشلها بتقييم مستوى الشباب الخريجين من حيث القدرات المهنية. أما هدف التشغيل فهو ليس هدفها الرئيسي، وإنما دورها مساعد في التعليم والتدريب المهني حسب احتياج سوق العمل. أما التشغيل فهو دور وزارة العمل من خلال مكاتبها وبرامجها. ومن وجهة نظري الشخصية أيضاً أن المسؤولية تقع مناصفة بين وزارة العمل وبين الشباب السعودي خريجي معاهد المؤسسة، فوزارة العمل مسؤوليتها فرض تشغيل الخريجين المهنيين السعوديين المؤهلين للعمل في شركات القطاع الخاص أو لحسابهم الخاص، فعلى سبيل المثال شركات المقاولات الكبرى التي تُرسَّى عليها مشاريع بعشرات المليارات للشركات السعودية والمشتركة والأجنبية وهي قادرة على استيعاب الآلاف من خريجي المعاهد المهنية، وكذلك المصانع العملاقة في مجال البتروكيميكال والبترول والغاز ومصانع الأسمنت والحديد والكيماويات وغيرها من شركات الصيانة والتشغيل، وعلى وزارة العمل إلزام هذه الشركات التي تتحجج بشرط الخبرة وبالإمكان تعيين مشرفين أجانب مؤقتين عليهم لضمان الخبرة إذا كانت هي السبب.
أما النصف الثاني من المسؤولية فهو على الشباب خريجي المعاهد الفنية الذين ما زالوا متحرجين من نظرة المجتمع للفنيين، وهي نظرة قاصرة ومتخلفة من وجهة نظري، ولو عادوا إلى سير الأنبياء والخلفاء الراشدين لتعرفوا على سيرهم المهنية الأصلية. فالعمل الشريف يقيهم من قسوة لئيم، والعمل المهني عمل شريف مردوده المالي أكبر من الوظيفة الإدارية، ونظرة بعض أفراد المجتمع مردودة عليهم. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح تغيير مسمى خريجي معاهد المؤسسة إلى مسمى مهندس فني، حسب كل تخصص، وإعادة النظر في المسميات الأخرى إذا كانت هي سبباً في هروب الشباب من مهنهم. وأقترح على الشباب تكوين شركات متخصصة يقومون بالعمل فيها بأنفسهم وليس باستقدام أجانب للعمل فيها.
إن سوق العمل كبير جدا، ويجب أن تتعاون وزارة العمل بفرض سعودة بعض المهن تدريجياً في شركات القطاع الخاص، والعمل على وضع حد أدنى للأجور في هذه المهن لا يقل عن 4000 ريال، بالإضافة إلى مميزات العلاج وبدلات السكن وبدل طبيعة عمل، على أن يتحمل صندوق تنمية الموارد البشرية نصف تكلفة رواتبهم. وعلى القطاع الخاص، وعلى وجه الخصوص شركات المقاولات بأنواعها والمصانع وشركات السيارات، أن يتعاون لتحقيق هدف التشغيل لهذه الفئة.