اللغة الحاضرة في حوار السعوديين هذه الأيام تنزف (مسبات)، تلفها عصبية، وتهيمن عليها خصومة وفجور، فيها استعداء وتحريض، فيها كذب، فيها تشويه للمشهد الثقافي والديني والإعلامي.
الكل مشترك في حفلة التشويه، ورائحة الشواء تجاوزت حدودنا لتتصدر نشرات الأخبار وأغلفة المجلات والمواقع الإلكترونية والفضائيات في عدد من دول العالم.
فلا عالم الدين ولا الداعية ولا طالب العلم ولا خطيب المسجد، ولا الكاتب الصحفي ولا الأديب ولا المذيع ولا الفنان تمكنوا من الالتزام بالموضوعية والتعقل في حواراتهم مع خصومهم حتى بات العاقل والموضوعي في هذه المعركة شاذا.
كل المعطيات والشواهد الحية والمثبتة تقول إن المثقفين السعوديين من كلا الاتجاهين الديني وغير الديني كانوا أبطالا بلا منازع في تلك اللغة المتخلفة والهابطة، كانوا أبطالا في بث روح الكراهية والعنصرية والحقد والتحريض بل والكذب من أجل تشويه سمعة الآخر.
أنا لن تفاجئني اللغة الهابطة ممن لم يتأدب مع الله العظيم ومع الرسول الكريم عندما يخاطب من يختلف معهم، كما لن أفاجأ عندما يستخدم ذات اللغة من يدافع عن مثل هكذا أشخاص بلا مبرر سوى الانتقام من خصوم فكر وأعداء توجه، لكن حتما يزعجني إلى حد الصدمة أن تكون تلك اللغة سلاح المحسوبين على أنهم من أهل الدين والتقوى وممن يفترض أن تكون لغتهم عامرة بالدعوة المتزنة، المعنونة بالحكمة والموعظة الحسنة، والقائمة على الإقناع والتفنيد والترغيب، لغة مرجعها المنهج الرباني وشعارها الهدي النبوي. ولست أدري أين هؤلاء من هذه الآية العظيمة: اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.. قال بعض المفسرين: إن الله تعالى يعلم أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى لكنه توجيه رباني قائم إلى يوم القيامة حول كيفية الحديث مع الخصوم وإن كانوا بمكانة فرعون الطاغية.
فكيف بهؤلاء وهم كلهم مسلمون؛ يستخدمون لغة لا سند لهم بها من الدين الذي كلهم يزعمون أنهم يدافعون عنه وهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون يشنون عليه حملة تشويه لا مثيل لها أظهرت فكر مثقفينا، بل نزعت عنهم الغطاء وعرتهم ليقف الجميع على واقعهم وكأنهم بلا ملابس والكل يطلع على عوراتهم.
أنا هنا لا أتحدث عن الحوار الدائر عطفا على تغريدات (كشغري) تحديدا، بل أعني لغة الحوار تجاه كل القضايا المعروضة على الساحة بلا استثناء.
جميل أن يكون لدينا حراك، وحوار. وجميل أن نختلف، ونكسر المألوف، ونسعى للتغيير لنتبوأ مكانا أفضل مما نحن عليه، لكن تلك اللغة المتداولة بين المختلفين تقول إن ما نحن فيه هو الموقع المناسب لنا، وإن طلب أكثر من ذلك فيه تجاوز غير مشروع وغير قابل للتحقيق.