عدم الإبلاغ عن الحالة يساعد المعتدي على تكرار فعلته وعقوبته الحرابة
لا يزال مجتمعنا رغم الانفتاح الذي يعيشه ينظر إلى الفتاة التي تعرضت للاغتصاب بالريبة، رغم ما تعانيه من آلام نفسية تستوجب الشفقة، بعد أن فقدت عذريتها التي تعد أول شرط للرجل الشرقي في عروسه.
الوطن استطلعت معاناة فتيات اغتصبن وما واجهنه ويواجهنه من رفض اجتماعي لإتمام نصف دينهن، كما رصدت آراء شباب تركوا زوجاتهم عندما علموا بحقيقة فقدانهن لعذريتهن، ومن يلقى اللوم عليه.. المغتصبة أو مغتصبها أم نظرة وعادات المجتمع؟.
أما السكوت عن عدم الإبلاغ فهو ما يتيح للمعتدي تكرار الجريمة من دون رادع ، رغم أن الأنظمة تصنف الاغتصاب من الجرائم المشددة التي تصل عقوبتها إلى حد الحرابة وهو القصاص تعزيراً أو السجن وفقاً لظروف الجريمة.
صدمات واعتراضات
تقول فتاة مغتصبة رفض أخي أن يزوجني لصديقه الذي تقدم لخطبتي، لخوف أخي أن ينكشف أمره كونه هو من اغتصبني وأفقدني أعز ما أملك، رغم أنه في بداية الخطبة وافق وذلك ما جعل علاقتي مع زوجي المستقبلي تتوطد، وتضيف وبعد مرور سنة على الخطبة ودون سابق إنذار اعتذر أخي لصديقه وأبلغه بعدم إتمام الزواج خوفا من أن ينكشف أمره، لكن خطيبي تمسك بإكمال الزواج أو معرفة سبب الرفض دون أن يخطر في باله للحظة واحدة بأن صديقه -أخي- اعتدى علي، ولما كانت الفتاة محبة وترغب في الارتباط والخلاص من حياتها مع أخيها وكراهيتها له، انفعلت وانفجرت وحكت قصتها للخاطب، تقول بانت عليه آثار صدمة عنيفة واختفى لعدة أشهر وانقطعت العلاقة بيننا، لكنه عاد على اعتبار أنني ضحية واتفقنا على الزواج، لكن عندما كشف حقيقة الأمر لوالدته جن جنونها واعترضت كلياً ففقدته مرة أخرى، لكن هذه المرة طالت غيبته وما زلت أنتظره.
قصة مريم مختلفة لكن بنفس المرارة، تسردها والدموع تغرق عينيها ننتمي إلى أسرة تلح على زواج بناتها من أبناء العمومة، لكنها لم تكن تريد ابن عمها وعارضت هذا الزواج إلا أنه تم من دون رضاها، وتضيف جدي أبى إلا أن أتزوج بابن عمي وتم ذلك الزواج، وفي ليلة الزفاف تهربت منه لكنه لم يتركني واعتدى علي بقوة وأخذ ما أراد في موقف أشبه بحادثة اغتصاب، وتتابع استمر الزواج 10 سنوات وتوفي جدي واستطعت أن أحصل على الطلاق، وارتبطت برجل آخر لم أكشف له حقيقة الاعتداء علي وإن كان شرعيا، لأنه كما تقول لن يرضى بي إذا علم بأنني مغتصبة حتى وإن كان من قام بذلك هو زوجي، فنحن نعيش في مجتمع لا يرحم، فرأيت أن أصمت.
مغتصبة لم تقبل بمن سترها
إلى ذلك، يذكر محمد بأنه تزوج من ابنة خاله التي كانت تعيش في منطقتها البعيدة عن المدينة، ولاحظ بعد زواجه بأنها تتهرب منه بحجة الخوف وعدم التعود عليه، وبعد أسبوعين اكتشف بأنها ليست عذراء، يقول تكتمت على الأمر لكي أسترها، وقد تركت أهلها ولا تعرف أحدا غيري في المدينة، وقررت أن أكمل مشوار الزواج معها، بعد أن قالت لي: إنها كانت تحب رجلا وعدها بالزواج فسلمته نفسها لثقتها به كونه من أسرة معروفة في منطقتها، لكنه هجم عليها واغتصبها ثم هجرها وأنهى علاقته معها.
وتابع سترت عليها لمدة عام كامل، لكنها لم تقبل العيش معي لأنها تحب ذلك الرجل الذي اعتدى عليها وأرادت العودة إلى منطقتها على أمل أن يرجع مغتصبها إلى صوابه ويتزوجها حينما يشعر بأنها لم تتحمل البقاء بعيدة عنه، لكنها وحتى الآن لم تتزوج بينما أنا تزوجت ولدي ابنتان.
ويعلق محمد بقوله قبلت بها وهي مغتصبة بينما لم تقبل بي، ولهذا أنصح كل شاب أن يبتعد عن الارتباط بأي فتاة كانت على علاقة برجل قبله.
التمييز بين المغتصبات
ويرى أحمد فرقاً بين مُغتصبة وأخرى، فيقول الفتاة المغُتصبة التي سأقبل بها هي من هجم أحدهم على بيتها واعتدى عليها، أما الأخرى التي لا يقبلها فهي التي تستثير الرجل سواء كانت في سوق أو أي مكان آخر بلبسها أو عطرها أو غير ذلك فهي من جنت على نفسها، ولا يجب أن يقف المجتمع مع هؤلاء لأن في الشفقة تحفيزا لهن على الخروج والتنزه والسهر والسفر.
من جانبها، وصفت إحدى الأمهات الفتيات المحترمات بالقابعات في بيوتهن ولا يعرضن أنفسهن للاعتداءات، وقالت كيف أقبل بمغتصبة عروسا لابني، وقد انتهك شرفها رجل غيره، فهناك العديد من الشابات اللاتي يمكنني التقدم لإحداهن كي تكون زوجة لولدي خصوصاً أنه على خلق ودين، وليس ذنبه أن يرتبط بفتاة ليست بكراً وهو لا يزال شاباً في مقتبل العمر.
وهو ما أيدته أم عماد وقالت المغتصبة ليس لها ذنب فهي ضحية فعل مشين اقترفه في حقها مجرم، لكن ولدي أيضاً ليس له ذنب وهو شاب لم يتزوج من قبل، فمن الأرجح أن يقبل بها رجل مطلق أو أرمل أو أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، وهي عليها أن تضحي بالارتباط بشاب، وتتزوج ممن سبق أن تزوج وهذا فيه شيء من العدالة.
ويرى فهد أن قبوله بفتاة مغتصبة لا بأس به لأنها ضحية، لكنه استدرك الشك سينتابني وسأشعر بالقهر كلما تذكرت وضعها وهذا سيؤثر على علاقتي بها، لذا من الأفضل ألا أقدم على الزواج من واحدة أعرف ماضيها الأليم.
حد الحرابة للمغتصب
إلى ذلك يقول المحامي والمستشار القانوني ريان مفتي إن الاغتصاب من الجرائم المشددة التي تصل عقوبتها إلى حد الحرابة وهو القصاص تعزيراً أو السجن وفقاً لظروف الجريمة، وأضاف ويأتي التشديد على عقوبة الاغتصاب من واقع الحفاظ على سلامة المرأة المسلمة وحرمتها التي يعد الاعتداء عليها جرماً كبيراً يستحق أشد أنواع العقاب.
ويضيف نحن في مجتمع تخفي فيه الفتاة ما تعرضت له فلا تتقدم بشكوى للجهات المختصة، إما لصغر سنها أو خوفها من مصارحة أسرتها لعدم معاقبتها، وهذه مسألة خطيرة تشارك الأسرة فيها، كما تخشى الفتاة من الفضيحة ومعرفة من حولها بقضيتها، وهذا أيضاً خطأ خصوصاً أن مثل هذه القضايا تعامل معاملة خاصة وبسرية مطلقة.
وحول الخطوات المطلوب اتخاذها، يقول في مثل هذه الحالات، يؤخذ رأي الطب الشرعي وتحال الفتاة للأدلة الجنائية لمعرفة وتحديد الأضرار التي وقعت عليها للتأكد من دعواها، وفي هذه المرحلة يحق لها الحصول على نسخة من التقرير الطبي الذي يبين حالتها من الجانب الطبي والجنائي الذي لا بد أن يتطابق مع أقوال المتهمين والمجني عليها بحسب تقرير الطب الشرعي.
أما عن موقف الشرع من الفتاة المغتصبة فيقول هي مجني عليها في المقام الأول ولا تعتبر شريكة في هذا الجرم، أما إذا ارتبطت هذه الجريمة بأخرى فهذا أمر آخر، مثل أن يكون سبب الاغتصاب يرجع لتواجدها في مكان محرم أو تناولها المسكرات أو المخدرات.
وعما يضمن حقوقها، أشار مفتي إلى أن الشريعة والأنظمة شددت على الحفاظ على حرمة وسلامة الجسد والنفس، وهي من أكثر الجرائم التي تعامل معاملة خاصة، كما تقوم الأجهزة الأمنية والقضائية بمكافحتها وتشديد العقوبة على مرتكبها، وهذا ما يخص الحق العام، أما الحق الخاص فالفتاة لها أن تطالب بكافة أنواع التعويض المالي والمعنوي.
أعراض تنتاب الضحية
ويكشف استشاري الطب النفسي الدكتور علي زائري أن هناك مردودا نفسيا على الفتاة المغتصبة يتمثل في اضطراب جديد عبارة عن نوع من الصدمة النفسية وقلق ما بعد الصدمة، يحدث للضحية ويدمر صحتها الجسدية والعاطفية والعقلية والسلوكية وعلاقاتها الشخصية، هذه المجموعة من الأعراض تحدث لغالبية الضحايا خلال أو بعد الاغتصاب أو بعد عدة أشهر أو سنوات من الحادثة، سواء كانت الضحية امرأة أو رجلا.
ويوضح الزائري أن الضحية تمر بأعراض منها البكاء وهيجان ونوبات خوف شديدة، وتبلد الإحساس، وعدم تصديق ما حصل وتوهان وضعف تركيز، يتبعها مرحلة تكيف تمارس فيها أنشطتها المعتادة خارجياً وليست في داخل نفسها، لكن ردة الفعل تختلف، فالبعض يقلل مما حصل والآخر يضخم وهناك من يخفي شعوره أو يهاجر وينتقل إلى مدينة أخرى، وأضاف كما تتعرض إلى عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والشعور بالعجز والاستسلام والخوف والاكتئاب وتقلب المزاج والغضب الشديد والعدوانية ومشاكل النوم والأحلام المرعبة وإعادة تخيل ما حدث ونوبات الهلع واللجوء إلى المخدرات والمسكرات، كما تتعرض الضحية إلى تغيرات في أسلوب حياتها كفقدان الإحساس بالأمان والتردد قبل الدخول في علاقات شخصية وفقدان الهوية الجنسية واضطراب العلاقة الجنسية بتذكر لحظات الاعتداء أثناء الجماع أو التهرب من العلاقة نهائياً أو عدم الاستمتاع أثناء العلاقة الخاصة بين الزوجين.
حلول ما بعد الاغتصاب
ويضع الزائري الحلول النفسية التي تساعد على تجاوز المرحلة، فيقول في البداية يجب منح المصابة الإحساس بالأمان وبأنها بعيدة عن مصدر الخطر ولا يستطيع أحد الوصول إليها لأنها تحت حماية الأهل والفريق الطبي والقانوني، ثم تعطى معلومات عن وضعها الصحي وعن ضرورة خضوعها لفحص طبي، وذلك لحمايتها من حدوث مضاعفات بسبب الاعتداء مثل الحمل أو الإصابة بأمراض جنسية، بالإضافة إلى توضيح الأعراض النفسية التي ستشعر بها لاحقاً كالخوف والإحباط والتفكير المتواصل والقلق النفسي واضطرابات النوم.
وأضاف أنها تحتاج إلى تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لأنها تعتقد أنها مسؤولة عما حدث، وتتوقع نتائج كارثية وتكرار ما حصل وتشعر بأن حياتها انتهت، وقد تفكر بالانتحار للتخلص من شعور الألم النفسي وتأنيب الضمير، ولهذا يجب توعيتها بأنها تستطيع استئناف حياتها من جديد وتجاوز المحنة وكلما مارست الحياة بشكل طبيعي وخرجت للعمل أو الترفيه وتواصلت اجتماعياً عجل ذلك من شفائها.
كما تحتاج إلى الدعم الأسري والاجتماعي بالتخفيف عنها ومواساتها وزرع الثقة فيها لأنها خرجت فكل الناس تتجه إلى التسوق والتنقل.
ويطالب الزائري بإنشاء جمعيات للنساء اللاتي تعرضن للاعتداء لدعمهن بواسطة تبادل الخبرات والتحدث في الأمور المشتركة ووضع حلول وحملات توعية وتخصيص أرقام طوارئ تعنى بهذه المشاكل.
إنكار المجتمع
ويرى الزائري أن عدم البوح من قبل الضحية يعد مشكلة ذات وجهين.. الأول هو إنكار المجتمع لمثل هذه المشاكل مما يضخمها، وذلك بعدم إيجاد حلول لها تحمي من الاعتداء، فمن المريح نفسياً الادعاء أنه لا توجد لدينا مشاكل من هذا النوع بحكم مجتمعنا المتدين، ولكن تغطية الواقع لا تحل المشكلة، لأنه كما هو معروف فإن هذه المشكلة موجودة في كل المجتمعات المدنية بغض النظر عن خلفيتها الثقافية أو الدينية، ويجعل من الصعوبه إفشاء الأسرار من اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي خوفاً من العار أو العقاب من المجتمع.
والوجه الآخر من المشكلة يكمن في أن المرأة التي تخفي اغتصابها تضع نفسها عرضة للاعتداء المتواصل من قبل المعتدي الذي نجا بفعلته لأنه أمن العقاب، كما أنها تحرم نفسها من العلاج النفسي والدعم الأسري وتعاني في صمت عذاباً قاسياً يفوق قدرتها على التحمل وحدها، وتظل في معاناة نفسية بقية حياتها مما يسبب فشلها في تكوين علاقة زوجية ناجحة وتكوين أسرة وقد تستغل في علاقات محرمة.
المعتدي من الأسرة
ويستطرد قائلا يظن كثيرون أن الشخص المعتدي هو غريب عن الضحية، لكن للأسف 80 % من الحالات يكون وراءها فرد من الأسرة، لا توجد إحصائيات في الوطن العربي لكن دراسة أجريت في الولايات المتحدة ذكرت أن في كل ساعة تحدث 78 حالة اغتصاب، كما أثبتت الدراسات أن 90% من كل حالات الاغتصاب يخطط لها سابقاً، وفي 87% من الحالات يحمل المعتدي سلاحاً أو يهدد الضحية بالموت إذا قاومته.
دور الأسرة
من جانبه، يوصي المستشار التربوي والاجتماعي والتعليمي الدكتور أحمد القاضي الأسرة بألا تعرض فتياتها خصوصاً في سن المراهقة للغرباء لأنهم يختلفون عن الأقرباء فهم يبحثون عن فرائس يفخرون بها، وقال إن الفتاة في مجتمعنا تظل مكسورة باعتبار أنها أخطأت وارتكبت في حق نفسها جريمة جنائية ونفسية، لكن على الأسرة أن تعوضها على مر السنوات اعتباراً من أن هذا قدرها وتوعيها بأن نجاح الإنسان ينبع من قدرته على الإنجاز في العمل وحسن أخلاقياته، والبكارة ليست الشاهد الوحيد على النجاح في الحياة فالفتاة قادرة على تصحيح الخطأ وهي إنسانة كالأخريات إذا ما تعرضت إلى كبوات تبقى فرساً قوياً ويمكن أن تكون في المقدمة على مستوى الشرائح الاجتماعية.
القاضي أكد على أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة في تربية الفتاة وتعويدها على الالتصاق بالوالدين وعدم الانجراف وراء الإغراءات وابتزاز بعض الشباب بقوله يفترض أن يتم توجيهها نحو سلوكيات الناس التي لا تتسم بالمثالية وألا تتعامل مع أشخاص عبر الهاتف أو الإنترنت قياساً على أقربائها الذين يتسمون بأمان التعامل معها.
وعن نظرة المجتمع للفتاة المغتصبة، قال ليست هي الطرف المخطئ فحسب بل أيضاً الذئاب الذين تعرضوا لها، ويجب أن تحمي الجهات الرسمية الفتيات حينما يتعرضن للابتزاز وهذا ما أحسنت فعله أخيراً عندما أصبحت تتلقى شكاوى دون أن تفضحها بل تستر عليها وهذا عمل إيجابي لم يكن موجوداً من قبل.
وإذا كان زواج الفتاة المغتصبة بعد إجراء عملية ترقيع البكارة يعد خداعاً، قال القاضي هذا نوع من الستر لكن أترك للشرع تقديره، وما يحدث عادة أن تسارع الأسر إلى تزويج الفتيات كون الرجل يمحو نوعا من الأثر الأليم الذي لا بد أن يظل مقبولاً اجتماعياً لأن من تاب تاب الله عليه، وتظل الفتاة مسلمة واعية مرت بتجربة عصيبة أساءت من خلالها فهم حقيقة العلاقات الإنسانية السائدة، كما أن المرأة هي دائماً تحت المجهر في كل تحركاتها ونرجو أن نصل إلى مستوى لا يعرض الفتيات في الأسواق والحدائق العامة إلى أذى بل نجد فيه تعاملاً راقياً كباقي دول العالم.