لنا جميعا غيرة كبيرة على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا نقبل أن يساء إلى خير الخلق بحال، وحمزة لا بد أن يتحمل نتيجة ما قاله حتى بعد توبته واعتذاره
أعتقد أنني كنت أول من كتب مقالا عربيا في صفحة رأي في صحيفة عربية عن تويتر وكان بعنوان تويتر.. وكيف يغير حياتنا قبل ثلاث سنوات، حينما لم يكن في موقع التواصل الشهير الكثير من الناس كما هو اليوم يضج بأهله. كنت آنذاك متحمسة لاستخداماته في التواصل الاجتماعي وفي الأنشطة التطوعية والإنسانية وفي مجالات التسويق وتواصل المسؤولين مع المواطنين، ولم أكن أتصور أبدا أنه سيتحول إلى أداة جوهرية ساهمت في تسريع سقوط أنظمة القمع والفساد ضمن الثورات الشبابية الأخيرة.
ومع أنني كنت وما أزال من أنصار تقنيات التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية بحكم التخصص والهوى لكنني في الوقت نفسه لم أغفل عن جوانبها السلبية البادية للعيان في غمرة هذا الاحتفاء المبالغ به برأيي بدورها من قبل العامة والمثقفين على حد سواء، إلى درجة اعتبار بعضهم لها بأنها المحرك الأساسي وراء الثورات العربية، وليس كما هي في الواقع أداة فعالة من الأدوات التي تم استخدامها من قبل الثوار المرابطين فعليا في الساحات والميادين. فالنضال من خلف الشاشات لا يسقط الدول ولا يبنيها.
فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي تحدث عنها الكثيرون لاسيما عن تويتر، إلا أن له وجها آخر قبيحا سيكون محل اهتمامي في هذا المقال. فطريقة تصميمه في المقام الأول و140 حرفا فقط التي يسمح لك بها للتعبير عن فكرتك، تتسبب أحيانا في وصولها مشوشة، خاصة إذا انهالت عليك الردود قبل أن تتمكن من شرح تغريدتك الأولى بأخرى وانشغلت بالرد عليهم. فخير الكلام ما قل ودل كما يقال ولكن حينما نتحدث عن موضوعات عميقة وحساسة ومثيرة للجدل فربما لا تصبح هذه الحكمة صائبة بشكل كامل.
كما أن فكرة الأتباع أو الفلورز - ويقابلها فكرة الأصدقاء في الفيسبوك - تستحث في المرء مشاعر وسلوكيات غير سوية مثل حب الاستعراض والغرور التنافس لجلب أكبر عدد من الناس عن طريق قول ما هو مخالف للسائد دون قناعة حقيقية في بعض الأحيان ودون وعي أو إدراك أو معرفة للنتائج المترتبة. بل وتعمد كتابة الآراء الصادمة أو المستفزة أو التي تتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة أو الجنس أو الدين وهي الأخطر. وهو ما أسميته بممارسة الفلسلفة الفارغة، وهي أن تتناول موضوعا عميقا وحساسا بسطحية وغرور منبعهما الجهل ومحركهما حب الظهور دون أن تعمل حسابا للعواقب.
وفكرة الوسوم أوما يعرف بالإنجليزية بالهاشتاق بالرغم من أنها تساعد على جمع وتبويب التغريدات المختلفة حول الموضوع ذاته تحت عنوان واحد إلا أنه أسيء استخدامها في عدة مناسبات للتشهير بالناس وشن هجوم كاسح ومدمر عليهم، فقد تتقبل أن يهاجمك شخص أو شخصان في الوقت نفسه لكن أكثرنا شجاعة وقلة اكتراث بآراء الآخرين سيصدمه أن يهاجمه في اللحظة ذاتها ألف شخص!
قضية الشاب حمزة كشغري المشتعلة حاليا مثال حي جمع كافة وجوه تويتر القبيحة ليفتح أعيننا على هذه السلبيات لعلنا نستطيع بنشر الوعي تجاوزها مستقبلا. ففي غمرة الحوارات السنوية عن المولد النبوي، وتحت وسم المولد كان المؤيدون والمعارضون يديرون معركتهم إياها، جاء حمزة وأحدث زوبعة وحدت جل المحبين للرسول صلى الله عليه وسلم سواء المؤيدين أو المعارضين للاحتفال بمولده. فقد قام بخطأ فادح في حق مقام النبوة إذ خاطب رسول الله كند وصاحب بطريقة لا يجرؤ المرء أن يخاطب بها ملكا من ملوك الأرض فكيف يخاطب بها أكرم الأنبياء والرسل؟
وإذا كان حمزة ارتكب الخطأ الجسيم الأول، فإن بقية المغردين قد وقعوا في أخطاء خطيرة، وتحولت العصافير إلى صقور ونسور جارحة انقضت على الشاب تريد عنقه! فانطلق علماء الإنترنت الذين تحولوا لعلماء في الشريعة بين ليلة وضحاها، فحكموا بالردة عليه سلفا وأصدروا حكمهم: ضربة تطير برأسه عبر السيف الأملح! وحين انتبه حمزة لذلك وأعلن اعتذاره الأول والذي للأسف جاء ضعيفا، وجاوبه الشيخ سلمان العودة بحلم الداعية وبعد نظر العالم طالبا منه التنبه وعدم تكرار ذلك، ثار الصقور واعتبروا الشيخ متساهلا. ثم ازداد الهجوم واضطر حمزة لحذف حسابه وإعلان توبته، ووصل الأمر إلى مغادرته البلاد خوفا على حياته من سيافي الشوارع الذين وصل بعضهم إلى تصوير منزله ونشر الصور وتهديد أفراد أسرته، وكلها ممارسات تدخل ضمن جرائم التحريض.
لنا جميعا غيرة كبيرة على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا نقبل أن يساء إلى خير الخلق بحال، وحمزة لا بد أن يتحمل نتيجة ما قاله حتى بعد توبته واعتذاره، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تبرير ردات الأفعال التحريضية المحتقنة بالعنصرية والشماتة والحقد والكراهية، فمن يجب أن يحاسب حمزة هي الدولة وأجهزتها المعنية وقضاؤها الشرعي وعلماؤها الربانيون، والدولة التي استوعبت الإرهابيين الذين قتلوا الأبرياء وأراقو الدماء الزكية وأنشأت برنامجا عالميا فريدا للمناصحة قادرة بلا شك على أن تستوعب شابا واحدا حائرا أو خاطئا أو ضالا..على أول سلم العشرين.