اليوم تعود المملكة كعادتها من كل عام لتنصب خيمة الجنادرية وتفتح النوافذ مشرعة للمفكرين والشعراء وقادة الرأي في عالمنا العربي ليتداولوا همومهم ويتعرفوا على تراثنا وعبقنا وتاريخنا
يعود إلينا اليوم مهرجان الجنادرية كما اعتاد أن يزورنا في كل عام على مدى أكثر من خمس وعشرين عاماً مضت.
وتعود مع هذا المهرجان بهجتنا بتوافد نخب المثقفين والمفكرين العرب ليتطارحوا في القاعات والصوالين الجدل والنقاش ودفع الحجة بالحجة والتحاور بينهم بالصوت الخفيض حيناً والعالي أحيانا.. والناعم والحاد.. والمؤيد والمعترض..والمفرط والمتطرف.. والإسلاموي والليبرالي.
تعود الجنادرية لنفتح النوافذ مشرعة لتلاقح الأفكار وتصادم وجهات النظر واعتناق الأطياف المتباينة وتسويغ الاختلاف ومحاولة الالتقاء بين المتنافرين المختلفين في منطقة تؤمن باستقلال الآخر وتنبذ القسر والعسف على اعتناق فكرة معينة.
يأتي الجنادرية ليكرس أن الاختلاف إنما يعزز الثراء والتنوع ويكرس التباين بين البشر وتمايزهم في الأفكار والمعتقدات صعوداً ونزولاً.. يميناً ويساراً ووسطاً.
إن من أدعى دواعي الفرح أن نكون نحن بدو الصحراء الحفاة العراة – سابقاً ولله الحمد- خير من ينصب خيمة للحوار في شواسع هذه الجزيرة ليتردد صدى توصياتها في كافة أرجاء العالم العربي.
كنا قبل حين يسير من الدهر نغوص في دياجير الفاقة والمرض والأمية إلى أن قيض الله لنا تيسير الحال وتغيير الأحوال وجريان الأموال فأحلناها – بلادنا-ورشة بناء وتطبيب وتنوير وتعليم ولم نفرح بما آتانا الله وننسى من حولنا من إخواننا في العرق والملة والإنسانية بل صرنا نفزع لكل مكلوم ونعين كل مظلوم ونردع – ما أمكننا ذلك- كل ظالم، ورغم النظرة الفوقية من عرب الأنهار لهؤلاء الأعراب ورغم ما أورثته ثروتنا من غيرة وحسد في نفوس البعض إلا أن ذلك كله لم يجعلنا نحيد عن موقفنا المترفع عن الضغائن ، فقد كان وما زال هذا هو نهج قادة هذه البلاد المباركة ابتداءً من المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله مروراً بكل الملوك الكرام وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ضرب أروع الأمثلة وأزكاها في كيفية أن تكون كبيراً وأبا وحليماً وحاكماً مصداقاً لقول الشاعر العربي: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب.. ولا ينال العلا من طبعه الغضب.
وهذه المواقف المترفعة أثبتت أن المملكة على حق وأن قادتها على النهج السليم فقد نأت هذه المواقف الرفيعة بالعالم العربي وجنبته كثيرا من الأزمات التي كانت ستزيد الطين بلة لو أن قادة هذه البلاد انجروا واستجابوا لما يطالهم من استفزازات وتجاوزات.
اليوم تعود المملكة كعادتها من كل عام لتنصب خيمة الجنادرية وتفتح النوافذ مشرعة للمفكرين والشعراء وقادة الرأي في عالمنا العربي ليتداولوا همومهم في الندوات الكبرى والصغرى والأمسيات الشعرية ويتعرفوا على تراثنا وعبقنا وتاريخنا وليعلموا أننا شيء مذكور وإرث محفور وحاضر معمور وأننا المبتدأ وأننا المنتهى عروبة وأرومة وعقيدة ..وستظل خيمة الجنادرية وخيمة العرب الكبرى (المملكة العربية السعودية) الرواق الذي يستظل في أفيائه المتفقون والمختلفون مهما تباينت الأطياف وافترقت الأفكار وتمددت الأعراق واختلطت الأجناس.