عندما يقصر طول محيط الأرض يقترب كوكب الأرض من الشمس فيتسبب ذلك في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، الأمر الذي يتسبب في التصحر والقحط الشديدين في بعض مناطق الكرة الأرضية
تحدثت منذ أسبوعين على صفحات الوطن عن القحط الشديد الذي تعاني منه جزيرة العرب في معظم مساحتها، واستثنيت من ذلك الركن الجنوبي الغربي والركن الجنوبي الشرقي لها، اللذان قد يتعرضا في فترات متقطعة إلى فيضانات مدمرة خاصة في فصل الصيف عند نشاط الرياح الموسمية، وقد تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل في العديد من المقالات على صفحات هذه الجريدة.
أسباب القحط في جزيرة العرب والعديد من مناطق العالم الأخرى كما يراها خبراء المناخ والدراسات البيئية للعصور القديمة تعود في مجملها إلى ثلاثة عوامل محددة وهي كالتالي: العامل الأول عبارة عن دورات فلكية تحدث وفق جدول زمني محدد حددت الطبيعة معالمه منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، مثل دورات الفصول الأربعة، ودورات الليل والنهار، هذه العوامل الفلكية تنقسم إلى قسمين: دورات فلكية قصيرة الأمد تحدث كل أحد عشر عاما وهي عبارة عن انفجارات تحدث على سطح الشمس يطلق عليها اسم البقع السوداء، تبعث بموجات كهرومغناطيسية حرارية من شأنها رفع درجة حرارة الغلاف الجوي، فتسبب ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming، فترات هذه الانفجارات الشمسية (البقع الشمسية) قد تتسبب في ظهور عصور جليدية صغيرة على سطح كوكبنا الأزرق، عدد وقوة هذه الانفجارات يختلفان من دورة إلى أخرى، لذا فإن من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت واضح في شدة درجة الاحتباس الحراري، وقوة العصور الجليدية المتكونة المتلازمة مع كل دورة شمسية، النوع الثاني من الدورات الفلكية يطلق عليه اسم دورات ميلانكوفتش Milankovitch Cycles نسبة إلى مكتشفها عالم الرياضيات الصربي ميلوتن ميلانكوفتش في أوائل الستينات من القرن الماضي، وهي دورات طويلة الأجل وقد قسمها ميلانكوفتش إلى ثلاث دورات:
الدورة الأولى: تحدث كل 100 ألف عام تقريبا أطلق عليها اسم Eccentricity cycle، و في هذه الدورة الفلكية يحدث تغير في طول محيط الفلك الذي تدور فيه الأرض حول الشمس، فعندما يقصر طول محيط الأرض يقترب كوكب الأرض من الشمس فيتسبب ذلك في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، الأمر الذي يتسبب في التصحر والقحط الشديدين في بعض مناطق الكرة الأرضية خاصة في منطقة العروض المتوسطة، وأيضا حدوث الفيضانات الشديدة في بعض المناطق خاصة في منطقة العروض المنخفضة والمرتفعة، وعندما يزيد طول محيط الفلك تبتعد الكرة الأرضية نسبيا عن الشمس، هذا الأمر يتسبب في حدوث العصور الجليدية الكبيرة على سطح الأرض، وهذه معلومات علمية لا يستطيع عامل إنكارها وموثقة بأدلة علمية دامغة من التاريخ الجيولوجي القديم للأرض ولا يسع المقام لسرد هذه الأدلة.
الدورة الثانية: أطلق عليها ميلانكوفتش اسم دورة الميل Obliquity cycle ويقصد بالميل هو ميل محور الأرض على المستوى الفلكي الذي تدور فيه الأرض حول الشمس ويتراوح هذا الميل (الزاوية) ما بين 22.1 إلى 24.5 درجة هذا التغير في زاوية الميل يحدث كل 41 ألف عام، عندما تضيق زاوية الميل تكون الأرض أكثر اقترابا من الشمس، فيتسبب ذلك في ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة الغلاف الجوي، وعندما تتسع زاوية الميل تبتعد الأرض عن الشمس نسبيا فيتسبب ذلك في حدوث العصور الجليدية على سطح الأرض ولكن بقوة تختلف عما يحدث في الدورة السابقة.
الدورة الثالثة: وأطلق عليها ميلانكوفتش اسم precession of Equinoxes وتحدث هذه الدورة كل 12 ألف عام تقريبا، وفيها يتغير موقع محور الأرض جهة اليمين وجهة اليسار نتيجة لتغير في سرعة دوران الكرة، فينعكس وضع فصول العام في الكرة الأرضية من الشمال إلى الجنوب بمعنى حدوث انقلابات لفصول العام فالشتاء في نصف الكرة الأرضية الشمالي يحدث في شهر أغسطس، في حين ينقلب فصل الشتاء في النصف الكرة الجنوبي ليحدث في شهر يناير، وهذا الحدث ينطبق على جميع فصول العام الأخرى، والتباطؤ في سرعة دوران الكرة الأرضية يعود في حقيقة الأمر إلى التفاوت في قوى جذب كل من القمر والشمس على كوكب الأرض، ويجب أن ندرك ونعي أن جميع الكون بما فيه من بلايين المجرات والنجوم ينكمش ويتمدد نتيجة لقوى الجذب التي تحدث بين هذه المجرات والنجوم.
من أسباب حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري أيضا ظواهر طبيعية تحدث على سطح كوكب الأرض أوضحها لنا التاريخ الجيولوجي، منها انفجار البراكين العظيمة التي تسببت في تغير ملامح المناخ على سطح الكرة الأرضية، والذي أدى بدوره إلى انقراض العديد من الحيوانات، أيضا من الظواهر الطبيعية التي تؤدي إلى تغير المناخ انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة من احتراق الغابات الطبيعية, ويجب في هذا المقام يجب أن نؤكد على دور غاز الميثان المنبعث من أسفل الطبقة الجليدية في صحراء سيبيريا الجليدية نتيجة لتفاعلات حيوية غير هوائية Anaerobic التي تقوم بها أعداد رهيبة من البكتريا أسفل هذا الغطاء الجليدي الفسيح، أما دور الأنشطة الإنسانية في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد ناقشته في العديد من المواقع، ولكن على أي حال من الأحوال لا يرقى تأثيره إلى تأثير أي من العوامل المذكورة أعلاه, في المقال القادم سنناقش الحلول التي قد تخفف من ظاهرة القحط في جزيرة العرب.