هناك خلل إذاً، قد يكون من أسبابه أن قطاعات الدولة المختلفة ووزاراتها وبرامجها الطموحة يبدو وكأنهم لا يعملون في انسجام وتكامل

الخبر الأول، من جريدة الوطن بتاريخ 12/11/ 1432 عنوانه التعليم العالي تتجه إلى الأجنبيات لسد العجز جاء فيه تدرس وزارة التعليم العالي طلبات تقدمت بها عدة جامعات بالمملكة للموافقة على استقدام محاضرات أجنبيات من دول عربية بينها الأردن ومصر والسودان، بغرض التعاقد معهن لسد العجز الذي نتج عن التوسع في افتتاح الكليات. وبحسب الوطن ومن مصادر مطلعة بوزارة التعليم العالي، أن الوزارة ما زالت تدرس عدة طلبات تأييد استقدام تقدمت بها عدة جامعات، وأن ما أخر تأييد هذه الطلبات هو كثرة الأعداد المطلوبة من قبل الجامعات، وخصوصا المحاضرات، وأن طلبات التأييد التي تلقتها الوزارة تضمنت تبريرات الاستقدام، ومن بينها وجود عجز في الكليات الجديدة التي افتتحتها الجامعات ببعض المحافظات، قابلها عدم وجود وظائف شاغرة يمكن تعيين السعوديات عليها.
الخبر الثاني من جريدة الشرق بتاريخ 8/2/1433بعنوان استنكروا مماطلة وزارة الخدمة المدنية: حملة الماجستير.. عاطلون بسبب شهاداتهم، وجاء فيه استنكر عدد كبير من حملة الماجستير مماطلة وزارة الخدمة المدنية في توظيفهم، مستعرضين مفاضلة عام 1430 التي لم يتم توظيف أي من حاملي الشهادات العليا خلالها، حيث تكون الأولوية لحديثي التخرج دائماً، ولم تشفع التخصصات النادرة، أو المعدلات المرتفعة لأصحابها، أن تهيئ لهم فرصا وظيفية، ويعاني الخريجون والخريجات من الشروط التعجيزية، المتمثلة في تحديد العمر، إضافة إلى اشتراط الإنجليزية للأقسام العربية، وطلب الخبرة الأكاديمية في الجامعات السعودية، وكذلك حق الجودة والاعتماد.
وعلى موقع بوست دوك جوبز ( http://www.postdocjobs.com) وجدتُ إعلانين لجامعتين سعوديتين إحداهما حكومية والثانية أهلية وهما موجهان لغير السعوديين. فالجامعة الحكومية تعرض وظائف في علوم الحاسبات كمحاضرين/محاضرات أو أساتذة مساعدين، ولا تشترط الخبرة، فيمكن لطالب دكتوراه يتوقع تخرجه قريباً التقدم لها. أما الجامعة الأهلية فكانت تبحث عن نساء تحديداً (ماجستير ودكتوراه) في كافة التخصصات لكنها أضافت شرطاً لم أشاهده في أي إعلان آخر وهو بأن هذه الوظائف متاحة فقط للأمريكيين والكنديين! حين قرأت الخبرين والإعلانين في الفترة الزمنية ذاتها تيقنت بأن هناك خللاً غريباً، فالوزارة تقول عندي نقص في المحاضرات والأساتذة من السيدات وأحتاج لسد العجز للقيام بالاستقدام من الدول العربية. وفي الوقت نفسه هناك خريجات سعوديات تائهات بين وزارت الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي ويطالبن بإعطائهن الفرصة لخدمة بلدهن الذي صرف بالأساس على دراستهن في الداخل والخارج. أما الجامعات فتقول عندي نقص في أعدادهن ولكنني أريد خريجات جامعات غربية، وتشترط الأهلية منها غير المواطنات مع أن هذه الجامعات الغربية تقوم بتخريج سعوديات أيضاً.
ولمعرفة حجم المشكلة وأسبابها، قمت بعمل استبيان على الإنترنت بسيط لأنني أردت فقط أخذ عينة عشوائية لوصف المشكلة، وجعلته موجهاً لخريجات الدراسات العليا العاطلات ماجستير ودكتوراه، وقد شاركت فيه حتى الآن إحدى وسبعون مواطنة وجاءت نتائجه كما يلي:
95.7? من العاطلات من حملة الماجستير، 2.9? منهن من حملة الدكتوراه، 1.4? من الحاصلات على مؤهلات ما بعد الدكتوراه. أما التخصصات فشملت: الأدب الانجليزي، ونظم المعلومات الإدارية، وعلم التوليدالقابلات، والإدارة التربوية، وتقنيات التعليم، وعلوم المناعة والأحياء الدقيقة، والهندسة، وطرق تدريس العلوم، والكيمياء، وصعوبات التعلم، وماجستير إدارة الأعمال، والخدمة الاجتماعية، وعلم النفس، وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصول الفقه، والمحاسبة، وتقنية المعلومات، وعلوم الحاسبات، والتجارة الإلكترونية، والشريعة والسنة، والاقتصاد، والتغذية، والرياضيات التطبيقية، وطرق ومناهج التدريس، والفيزياء، وتلوث البيئة، والإدارة المعلوماتية.
61.4? منهن حاصلات على الشهادة العليا من داخل المملكة بينما 38.6? حصلن عليها من جامعات معتمدة من خارج المملكة منها جامعات بريطانية ساوثهامبتون، ليدز، شافيلد، أندنبره، برونيل، كنجز كوليج. أو جامعات كندية جامعة كنكورديا أو أمريكية ميامي، روبرت موريس أو أسترالية كوينزلاند، كيرتنRMIT.
أما سنة التخرج فتراوحت ما بين1429 – 1432 هجرية و 2005-2011 ميلادية أي ما بين 4-6 سنوات. وعند السؤال عما إذا كن قد تقدمن للجامعات السعودية والأهلية، كانت الإجابة بنعم، ونتيجة التقديم تراوحت ما بين الرفض أو عدم الرد أو في انتظاره. أما الرفض فكانت من أسبابه: لا يوجد شواغر، أو التخصص غير مطلوب، أو لا توجد خبرة، أو مسار البكالوريوس مختلف عن مسار الدكتوراه، أو السن، أو بسبب أن الأم سعودية لكن الأب غير سعودي، أو ضاعت الأوراق! أو الجامعة تريد خريجات من أمريكا. وعند السؤال إن كانت المتقدمة ستقبل الانتقال من مقر الإقامة من أجل الوظيفة 42? فقط كانت إجابتهن نعم.
وللتعليق على الاستبيان، الذي لا أعتبر نتائجه مؤكدة بالمعنى البحثي، لكنه يعطينا صورة مصغرة لمشكلة أكبر ستتفاقم مع عودة آلاف من المبتعثين والمبتعثات للدراسات العليا مستقبلاً. ولن ندعي بأن كل هؤلاء السبعين متقدمة مؤهلات للوظيفة، فهناك من مهاراتها وشخصيتها لا تساعدها على أن تكون أكاديمية ناجحة، فنحن نريد الأفضل لجامعاتنا بالتأكيد، ولكن كيف ستتم معرفة ذلك من عدمه إن كانت لا تجرى لها مقابلة شخصية ولا يُنظر في أوراقها؟ وبالنسبة للخبرة فكيف ستحصل عليها؟
وهناك من تخصصها فيه اكتفاء، وهؤلاء جلهن من خريجات جامعات حكومية، فلماذا تم قبولهن في هذه البرامج وبهذه الأعداد إذ كانت جامعتهن نفسها ليس لديها احتياج ولا رغبة في توظيف الأولى على دفعتها منهن؟ وهل يحق للجامعات الأهلية والتي تتلقى دعماً حكومياً على شكل منح وهبات أن تشترط جنسية من يعمل فيها بحيث يكون لديها متقدمة سعودية وأمريكية فتفضل الأمريكية لجنسيتها فقط؟
وفي حالة لم تكن المواطنة صاحبة الشهادة العليا مؤهلة للسلك الأكاديمي، فما هي البدائل المتاحة لها؟ أسئلة مطروحة أمام وزارتي العمل والخدمة المدنية.
هناك خلل إذاً، قد يكون من أسبابه أن قطاعات الدولة المختلفة ووزاراتها وبرامجها الطموحة يبدو وكأنهم لا يعملون في انسجام وتكامل، ومحصلة ذلك كله: معدلات بطالة عالية في ظل وجود أعداد هائلة من العمالة أجنبية، ونقص في كوادر التدريس الجامعي وفي الوقت نفسه ارتفاع أعداد العاطلين والعاطلات من حملة الشهادات العليا، وبرنامج فريد من وزارة التعليم العالي للابتعاث لكل دول العالم في حين أن الجامعات التابعة للوزارة لا تستقطب هؤلاء المبتعثين وبعضها يمارس عنصرية بلد الابتعاث على المتقدمين. ووزارات عمل وخدمة مدنية وهيئة استثمار أجنبي لا يبدو بأن لهم علاقات مؤطرة وقوية بالجامعات المحلية أو ببرنامج الابتعاث من أجل التنسيق لتوظيف الخريجين والخريجات. فإذا اعترفنا بوجود هذا الخلل..تأتي الخطوة الثانية: كيف نصلحه؟