امتدادًا لمقال الأسبوع الماضي (مستقبل دراسات المستقبل) والذي ذكرت به نصًا: الملاحظ أن جامعاتنا الوطنية حسب معلوماتي المتواضعة لا يوجد بها أي قسم بمسمى الدراسات المستقبلية، كما أنه لا يوجد لدينا أي مركز حكومي بهذا المسمى يهتم بهذا الشأن. فقد لفت أحد الزملاء الكرام مشكورًا انتباهي إلى أن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية يوجد بها كلية للعلوم الإستراتيجية أنشئت منذ 3 سنوات، وتعنى بهذا الشأن، وهذا النوع من الدراسات. وقد اطلعت على منهج هذه الكلية، وأقسامها الثلاثة: (قسم الدراسات الإستراتيجية، وقسم الأمن الإنساني، وقسم الدراسات الأقليمية والدولية). ومما لا شك فيه أن هذه الكلية تعد إضافة (نوعية) في العمل الإستراتيجي والأمني تضاف للإنجازات الكبرى لهذه (الجامعة العربية) التي تتشرف باسم ولي العهد، وتحظى بدعمه الشخصي، وترتقي برئاسة معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن صقر الغامدي، الذي يقف الإنصاف له احترامًا؛ لما تحقق للجامعة تحت قيادته من إنجازات، سواء في مجال التعليم، أو التطوير، أو البحث العلمي في مكافحة الجريمة والإرهاب، أو في قدرته ومهارته الشخصية في استقطاب الكفاءات الوطنية والعربية المتميزة، التي تجمع بين الخبرة الميدانية والخبرة الأكاديمية، ويعرف كل من عمل في هذه الجامعة مدى أكاديمية بيئة العمل و(ديناميكيتها)، التي لا يكاد يمر بها يوم دون عقد مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل أو مناقشة لأطروحة أو لقاء علمي أو استقبال لوفد أو مشاركة خارجية لمنسوبيها. وإذا عرفنا الاتجاه العلمي الذي يؤيده العديد من علماء الإستراتيجية، والذي يرى: أن التفكير الإستراتيجي والتخطيط الإستراتيجي وجهان لعملة واحدة هي (الإدارة الإستراتيجية)، والحاجة لكليهما قائمة؛ لتعذر الأخذ بأحدهما دون الآخر، في ظل المستجدات المعاصرة. وهو أمر على ما يبدو تتبناه جامعة نايف العربية، مطبقة الفكر الذي يرى أن العلوم الإستراتيجية بمجملها هي (اتجاه) للمستقبل بدون مدى زمني محدد، ولهذا الفكر أنصاره ومنظروه، وهو خيار مسوَّغ علميًّا، وقد يخدم توجه الجامعة بصفتها جامعة متخصصة في العلوم الأمنية. إلا أن هناك أيضًا اتجاهًا علميًّا آخر في هذا المجال، يختلف مع سابقه، ويرى أن هناك فرقًا بين (الدراسات المستقبلية) وبين (التفكير الإستراتيجي) وبين (التخطيط الإستراتيجي).. فالدراسات المستقبلية: هي قاعدة المعلومات التي توفر المادة الخام والتوجهات لـ(التفكير الإستراتيجي) الذي يحللها بدوره، ثم يمكن بعد ذلك صياغة (الخطط الإستراتيجية) القابلة للتنفيذ، ولذلك قسم العلماء المؤيدون لهذا الاتجاه (مدى المستقبل) إلى مستويات متعددة (المباشر، القريب، المتوسط، المنظور، البعيد) ليكون لكل اتجاه مدى زمني محدد، فلا يمكن أن تفكر إستراتيجيًّا قبل أن تنطلق من دراسات مستقبلية واستشرافية، ولا يمكن أن تعمل خطة إستراتيجية قبل أن تفكر إستراتيجي أتمنى من الجامعة التي عودتنا على الريادة في مثل هذا المجال أن يكتمل عقد منظومة العلوم الإستراتيجية، بأن يكون في الكلية قسم للدراسات المستقبلية، يتكامل مع الأقسام الثلاثة الأخرى، وتحول مادة (الدراسات المستقبلية) ذات الثلاث ساعات إلى قسم مستقل، مع كامل ثقتي بأن الاختلاف في وجهات النظر بين من يؤيد الاتجاه الأول ومن يؤيد الاتجاه الثاني؛ مؤشر إيجابي ومفيد، تتجاوز إيجابياته ما يترتب على (الجمود) و(الستاتيكية) في مثل هذه التوجهات المستقبلية المتغيرة.