أرى أن يتم تأمين الغذاء بسعر عادل، غير سعر التجار في الأسواق، عن طريق التوسع في إنشاء الجمعيات التعاونية الغذائية بدعم الدولة، وأن تمنح بطاقات تموينية للفقراء ولذوي الدخل المحدود

في حوار تلفزيوني على إحدى القنوات الفضائية الخليجية طُرحت قضية الفقر في المملكة العربية السعودية وشاركت مع زميلي المستشار الاجتماعي إحسان طيب أحد الخبراء السعوديين المتخصصين في هذا المجال واستمعنا إلى تقرير أعده مُعد البرنامج.
ولقد فوجئت وغيري بالرقم الذي طرحه التقرير حسب معلومات قديمة منذ عام 2009 نشرت في أحد تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية وتم عرضه على مجلس الشورى، وتمنيت لو أن أولئك الذين يناقشون قضايا الفقراء أن يعيشوا حياة الفقراء ولو ساعة من الزمن ليشعروا بحياتهم وآلامهم ومعاناتهم.
الفقراء هم شريحة مهمة في مجتمعنا يتحدث عنها المنظرون، ولكنهم لا يتفاعلون معهم كثيراً.
ورغم أن الرقم كبير جداً إلا أنه غير دقيق، لأن تاريخ الإعلان عنه كان عام 2009 ونحن في عام 2012 ولا توجد إحصائيات حديثة ودقيقة، إلا أنه غير ثابت ولأسباب عديدة، منها ثبات الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسب الفقر، وهي في وجهة نظري تعود إلى البطالة والتنافس غير العادل من الأجانب النظاميين وغير النظاميين في العمل للحساب الخاص في الأعمال التجارية، وعلى وجه الخصوص تجارة التجزئة والخدمات، بالإضافة إلى الخلل الكبير الذي تواجهه مشاريع خطط التنمية في المملكة، وهذا ما يؤكد الدعاية المفرطة التي يطلقها بعض المسؤولين عن الاستثمار ومناخ الاستثمار وجاذبية الاستثمارات الأجنبية وتصنيف المملكة بأنها الأفضل ومن العشرة الأوائل من دول العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية، وأن الأنظمة والقوانين والحوافز الاستثمارية هي الأفضل، ويطلق البعض من كبار المسؤولين فرقعات إعلامية عن عوائد بعض المشاريع الاستثمارية والتطويرية مثل المدن الاقتصادية والصناعية وأثرها على تخفيض نسب البطالة، وأنها سوف تستوعب 5 ملايين عامل سعودي، وأن هناك قلقا مستقبليا في البحث عن عمالة سعودية لهذه المشاريع، ويخشى ألا تستطيع أرقام السعوديين من خريجي الجامعات تغطية حجم الطلب عليهم. ويسخّر بعض المسؤولين جزءا كبيرا من ميزانياتهم وميزانيات بعض مشاريعهم للحملات الدعائية والإعلامية الخاصة بفرقعات إعلامية كانت نهايتها ارتفاع أرقام ونسب الفقر في المملكة.
ومن وجهة نظري الاقتصادية والاجتماعية فإن بعض المشاريع العملاقة التنموية أو التجارية أو الخدمية وطنية كانت أو أجنبية لسنا بحاجة إليها إذا لم تساهم في رفع نسب تشغيل السعوديين، وخفض نسب البطالة السعودية، التي لها أثر مباشر في زيادة ونقص نسب الفقر. فالعمل لحساب الغير أو للحساب الخاص يساهم في تخفيض نسب الفقر للأسر السعودية.
بلادنا غنية بمواردها البترولية أولاً ثم بالموارد الأخرى غير البترولية، ولكن أهم مورد لقوة الدولة هو الموارد البشرية، وإذا ضعفت ضعف اقتصاد بلادنا، وهنا يُطرح العديد من الأسئلة، ومن أهم هذه الأسئلة كيف نستطيع أن نفسر ظاهرة زيادة إيرادات الدولة بل تضخم الإيرادات مع مشكلة الفقر وأعداد الفقراء؟ وقد يقول البعض إن الفائدة تدور في دائرة يتسع قطرها؛ إلا أنها تظل محدودة الأطراف، وبالتالي لا تستفيد طبقة الفقراء ومحدودي الدخل من زيادة الإيرادات بصفة مستمرة. وقد تستفيد لمدة محدودة عندما تكون هناك بعض الامتيازات المؤقتة، وحسب التعريف الدولي للفقراء (هم الفئة التي لا تستطيع أن تؤمن لنفسها الغذاء لضمان الاستمرار على الحياة أو لا تستطيع أن تجد السكن اللائق بها لتعيش آمنة مستقرة). وإذا قصرنا التعريف على الغذاء والسكن فإن الكارثة عظيمة على الفقراء، والمسؤولية أكبر على الأغنياء والمسؤولين في الدولة. فهل يعقل أن تكون قيمة الضمان الشهري المدفوع للفقير من قبل الضمان الاجتماعي يساوي حوالي 800 ريال سعودي؟ وفي المقابل تحصل الخادمة المنزلية على متوسط دخل 1500 ريال ومؤمن لها الأكل والشرب والسكن والعلاج والإجازة! وأعتقد أننا جميعاً نعلم أن مبلغ 800 ريال كضمان اجتماعي لا يحرك ساكناً للفقير وأهله، ولا يحقق لهم أهم الأساسيات في الحياة، وأرى أنه من الأفضل لتأمين الغذاء بسعر عادل غير سعر التجار في الأسواق، عن طريق التوسع في إنشاء الجمعيات التعاونية الغذائية بدعم الدولة، على أن تمنح بطاقات تموينية للفقراء ولذوي الدخل المحدود.
لقد سبق أن طرحت هذا الطرح متمنياً على وزارة الشؤون الاجتماعية اتخاذ قرار عاجل بالتعاون لوضع خطة مع وزارة التجارة والصناعة للتوسع في إنشاء الجمعيات التعاونية الغذائية، وهي أحد أهم الحلول العاجلة لحماية الفقراء وتوفير الغذاء لهم بأسعار مناسبة جداً كما هي لذوي الدخل المحدود. أما إيجاد السكن اللائق فشكراً لخادم الحرمين الملك عبدالله ولجهوده المتميزة لتأمين السكن اللائق للفقراء عن طريق مشروعه الخيري لوالديه وعن طريق مشاريع وزارة الإسكان؛ إلا أن الأمر يحتاج إلى تكاتف وتعاون أكبر من قبل الدولة ورجال الأعمال.. فتأمين السكن عبر مشاريع وزارة الإسكان يسير سير السلحفاة، ومعوقات البناء للسكن التعاوني كبيرة وأهمها توفير الأراضي التي استولى على معظمها عمالقة الأراضي، والتي آلت لهم إما عن طريق المنح أو شراء المنح أو بالوراثة أو بالاحتكار عن طريق الشراء منذ زمن طويل. ولو جاز لي الاقتراح لاقترحت على أصحاب ملايين الأمتار من الأراضي أن يأخذوا منها احتياج سكنهم الخاص وأن يتنازلوا أو يوقفوا الباقي لصالح سكن الفقراء وذوي الدخل المحدود. فالأوقاف صدقة جارية، واحتكار الأراضي لمنفعة شخصية وحرمان المحتاجين لها يعتبر أنانية وتعطيلا للمصلحة العامة.