مع تجذر نزعة الاستهلاك وهيمنة العولمة واكتساحها الذي لا يبقي ولا يذر، فإن الواقع يشير إلى أن الإنفاق في زيادة مطردة، وأن الادخار في انحسار ملحوظ، وهذا النسق المعيشي الاجتماعي بات ملموسا أكثر في المجتمع السعودي والخليجي

انتشر مد العولمة وسيطر النموذج الأورو – أمريكي على ذائقة الشعوب. وصار للعولمة الثقافية ونزعتها الاستهلاكية تأثير السحر من خلال الانجذاب والاحتذاء والمحاكاة مع ما يرتبه هذا الاقتداء من تكاليف معيشية إضافية على الفرد لم تكن سابقاً ضرورية أو أساسية لكن الانفجار الذي فرضته وسائط الاتصال المتعددة، بما جعل العالم وأهله في حارة متجاورة، قد أسهم ـ دون شك ـ في نشر الثقافة الاستهلاكية وتوسيع قاعدة المنتفعين منها، وخصوصاً ما يمثله انتشار الثقافة الأمريكية من إغراق للدول النامية المستوردة عبر الإعلانات التي تعلي من شأن مستهلك لسلعة أو علامة تجارية بعينها واستطاع الإعلان بتوالي طرقه واستمراريته خلق حالة ذهنيه لدى المستهلك تدفعه للإحساس بأن تملك بعض السلع يمثل الحلم والقوة، وهكذا فإن اللعب بوعي الناس وإغوائهم من خلال الإعلانات التي تقتحم برامج التلفزيونات وكذا برامج إذاعات الـFM يكرس حالة من التمايز والتفرقة بين من يقتني ومن هو عاجز عن ذلك وأصبح أسلوب الحياة والنمط الاستهلاكي معياراً لتصنيف الناس وطبقاتهم، ومن الطبيعي أن ينساق الفرد السعودي إلى هذه العولمة ويذوب في أتونها بما جعله نزاعا للاستهلاك بشكل قلب تراتبية احتياجاته، وصار ما كان في السابق كمالياً أولوية في الحاضر وطغت المظهرية ومخرجاتها من هدر وإسراف وبذخ دفع كثيرا من الناس إلى اللجوء للبنوك والاقتراض وما رتبه ذلك من أعباء ماليه على معظم الأسر السعودية التي صارت في الغالب رهينة للبنوك تحت طائلة الديون وصارت لدينا قاعدة عريضة من الطفرانين المدينين الذين لا يمر منتصف الشهر إلا وقد أفلسوا وشدوا أحزمتهم وأخذوا يبحثون عمن يقرضهم إلى حين نزول الراتب.. وهذا النمط الاستهلاكي في المجتمع السعودي أدى إلى نشوء طبقة طفيلية تهدر كرامتها في سبيل تلبية احتياجاتها الكمالية بل لقد تواتر عند البعض الاعتماد على الاستلاف أو الاقتراض من الأصدقاء والمعارف على أن يكون السداد حين ميسرة، لكن التجربة تقول إنه لا السداد ولا الميسرة يتحققان، وقد تعارف البعض في مواجهة هؤلاء المقترضين على أن يعطيه جزءا من طلبه على نحو لا يجعله مؤملاً أو منتظراً السداد ويبطن في نيته أن ما قدمه كسلفة إنما هو صدقة لوجه الله.
ومع تجذر نزعة الاستهلاك وهيمنة العولمة واكتساحها الذي لا يبقي ولا يذر، فإن الواقع يشير إلى أن الإنفاق في زيادة مطردة، وأن الادخار في انحسار ملحوظ، وهذا النسق المعيشي الاجتماعي بات ملموسا أكثر في المجتمع السعودي والخليجي ويرتفع عند النساء أكثر منه عند الرجال ويسيطر اتجاه الإنفاق على المطاعم والأجهزة الإلكترونية على صدارة التصنيف ولهذا صارت ملاحقة التغييرات الطفيفة التي تطرحها الشركات المصنعة لأجهزة التواصل المتنوعة من أكثر أنماط الاستهلاك البذخي ولهذا بات من المعتاد عند الأفراد موالاة تغيير أجهزة الجوال والآي فون والبلاك بيري والآيباد وصار هاجس الناس متابعة آخر ما تطرحه شركات مثل آبل وسامسونج وغيرهما، ورغم أن التغييرات هامشية ولا تعطي أفضلية مطلقة للجديد لكن عدم التغيير والمواكبة للسائد يعني تصنيفاً طبقياً لدى البعض بما يدفع البعض للتغيير رغم عدم القناعة بضرورة ذلك، لكنها مماشاة السائد حتى ولو على حساب الأعباء وزيادة الإنفاق بما هو غير متيسر ومتوافر فلم يعد للإشباع سقف ولا للنهم حد ومن هنا وجب النظر إلى ما يمكنه الإسهام في الحد من هذا النمط المعيشي الذي صار يأكل الأخضر واليابس وأصبح هذا النمط يلقي على كواهل الناس من ذوي الدخول المتوسطة (دعك من أهل الكفاف ثم الكفاية) أعباء مالية لا قبل لهم بها وهنا يقع الدور على حملة الرأي من المفكرين والكتاب والعلماء ويدخل ضمنهم – بالطبع- خطباء المنابر الذين يتولون صياغة وتشكيل الرأي العام كما يمكن إسهام قطاع التعليم والتربية في الحد من هذه الظاهرة الاستهلاكية بما يبثه معلمو النشء عن فضيلة الادخار وتبيان مثالب الإسراف والهدر وما ورد عن المناهي الدينية في الكتاب والسنة كما يمكن للعلماء الشرعيين توجيه النساء في فتاواهم وتغيير دفتها لتخرج عن دائرة لحم الجزور والأسئلة المعتادة المكررة إلى ما هو أهم، وأعني طغيان المظهرية الزائدة عند النساء وكونها الحلقة الأهم في دورة الإنفاق الاستهلاكي، كما أن لجمعيات النفع العام والجمعيات النسائية دور غائبا لتنظيم زيارات نسائية دورية لكثير من الأسر التي تقع تحت طائلة خط الفقر وهي التي ما زالت أولوياتها من السلع الأساسية والضرورية لم تتحقق ناهيك بالكمالي والترفي.
إن النزوع إلى الاستهلاك وتحول الأولويات صار ظاهرة في المجتمع السعودي ولابد من جعلها – هذه الظاهرة - هماً شورياً وفقهياً وتربوياً جديرا بالمتابعة ودراسة الذيول والسلبيات التي أفرزتها في المجتمع.