يعمل صندوق النقد الدولي هذه الأيام جاهدا على جمع مبلغ يصل إلى 600 مليار دولار لزيادة موارده لمكافحة أي أزمة مالية قادمة. فالصندوق بحيازته في هذا الوقت ما يقارب 380 مليار دولار يمكن استخدامها لإقراض الدول بشكل مباشر دون الحاجة إلى ضمانات. ولكن توقعات صندوق النقد الدولي أن حاجة العالم من القروض المباشرة خلال السنتين القادمتين ستصل إلى تريليون دولار، في حال اندلاع أزمة مالية جديدة، ونحو 200 مليار دولار من إجمالي المبلغ المفترض جمعه يشكل الحصة التي يساهم بها صندوق النقد الدولي في إنقاذ منطقة اليورو، وهي برميل البارود الذي يجلس عليه الاقتصاد العالمي. فحتى هذا المبلغ قد لا يكون كافيا لمنع انهيار المنطقة اقتصاديا. وبالتالي فإن المبلغ المتبقي سيعمل على احتواء الأزمة التي يمكن أن تندلع، وإبقاء النمو العالمي في مرحلة ثبات نسبي.
إن العقبات التي يواجهها الصندوق اقتصادية وسياسية، ولكن السياسية هي الأكثر تعقيدا. فالموارد الاقتصادية لدول أوروبا أصبحت محدودة أكثر، وخصوصا بعد تخفيض تصنيفات دول منطقة اليورو بالجملة. أما على الجانب السياسي، فكل الدول تتجنب أن تساهم في هذه الزيادة إلا بشروط. فالولايات المتحدة تريد من منطقة اليورو أن تقوم بخطوات أكثر جدية لحل مشكلاتها المالية قبل أن تفرج عن حصتها الموعودة بمائة مليار دولار. أما الدول الصاعدة كالصين والبرازيل فتريد تغيير طريقة التصويت في صندوق النقد الدولي لصالحها بحيث تتمكن من التحكم بشكل أكبر في هذه المؤسسة الدولية.
وكما تتحاشى الدول المساهمة في جمع المبلغ المرصود من قبل صندوق النقد، فإن الإشارات على تعافي الاقتصاد العالمي لا تزال مشوشة. فمن جهة تمكنت كل من فرنسا وإسبانيا من جمع احتياجاتهما من التمويل متوسط وطويل الأجل في طروحات السندات ليوم الخميس الماضي لتتخطيا عقبة تخفيض تصنيفيهما الائتمانيين.
إلا أن معظم النجاح يعزى إلى قيام البنك المركزي الأوروبي بشراء كميات كبيرة من السندات. وتبقى العقبة الأهم أمام تعافي الاقتصاد العالمي هي الارتفاع المستمر لأسعار النفط. فعلى الرغم من قيام مجموعة أوبك بالتعهد بإمداد أسواق النفط بـ30 مليون برميل نفط يوميا قبل أكثر من شهر، واستمرار السعودية بتسجيل معدلات إنتاج غير مسبوقة، إلا أن أسعار النفط ما زالت تحلق فوق 100دولار للبرميل. وبذلك يتضح أن المشكلة في أسعار النفط سياسية، وليست اقتصادية. فالتهديدات الإيرانية والتصريحات الروسية تلعب الدور الأكبر في خلق أجواء الأزمة، الأمر الذي يضيف إلى سعر السوق المزيد من المخاطر الجيوسياسية المفتعلة.
إن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة شديدة التعقيد والتشابك، ولكنها سياسة هذه الأيام تقف كعقبة أمام تعافي الاقتصاد.