لم تكن السنة الثالثة من فترة حُكم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف حاسمة في تقرير مصير الفترة الرئاسية الحالية بقدر أهميتها في تقرير مصير الاتجاه الذي سيسير فيه البلد خلال السنوات العشر القادمة، حيث إن الطبقة السياسية تبدو أنها استقرت على نموذج اقتصادي وسياسي للعقد القادم. شهدت نهاية عام 2010 عهد فلاديمير بوتين، عقد من الزمان اتسم بارتفاع مستوى المعيشة، والجنوح المتزايد نحو اللامبالاة السياسية لدى عامة الشعب، وقوف روسيا على قدميها، والديموقراطية المستقلة، وزيادة حصة النخبة في الازدهار الروسي، وانخفاض مستوى العدائية في العلاقات بين الطبقة السياسية ورجال الأعمال. النموذج الترادفي الذي قسم الأدوار بين القائد الرسمي، الرئيس ميدفيديف، والقائد الفعلي، رئيس الوزراء بوتين، استهلك نفسه. مع أن هذا النموذج فعال في الاقتصاد، حيث تتوحد القيادة الرسمية والفعلية، إلا أنه منع تطبيق الإصلاحات السياسية التي طال انتظارها، في الوقت الذي مهد فيه هذا النموذج الطريق أمام تكرار مشكلة من سيكون الرئيس في عام 2012. وقد نشرت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي مؤخراً دراسة للباحث نيكولاي بيتروف بعنوان روسيا قبل الإعصار: مزيد من السياسة، قليل من الاستقرار حول الأوضاع في روسيا وهي تستعد للانتخابات التشريعية والرئاسية.
تقول الدراسة إن الانتخابات القادمة في روسيا تأتي وسط تصاعد الخلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وظهورها للعلن بشكل واضح، وعادت السياسة الشعبية إلى المقدمة مرة أخرى. كما أن الغموض حول مستقبل البلد يتزايد لدرجة جعلت الناس ورأس المال يهربون من روسيا بحثاً عن ملاذ أكثر أمناً واستقرارا. ويحدد نيكولاي بيتروف في دراسته التحديات التي تواجه روسيا في الوقت الذي يبتعد فيه البلد عن السياسات التي حكمته خلال السنوات العشر الأخيرة.
تقدم الدراسة النتائج التالية:
•خيارات سياسية قليلة: الانتخابات البرلمانية هذا العام –والتي تتميز بعقد الصفقات السرية والحيل الانتخابية- تؤسس للانتخابات الرئاسية عام 2012، مع الاحتمال الأرجح بفوز إما الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف أو رئيس الوزراء فلاديمير بوتين.
•تحديث محدود: تتبنى الطبقة السياسية في روسيا نموذجاً اقتصادياً وسياسياً سيترك أجزاء كثيرة من الاقتصاد الروسي، بالإضافة إلى المجال السياسي، بعيداً عن حركة التحديث الحقيقية التي يحتاجها البلد.
•الحوار الإجباري: السلطات الروسية لا تستجيب للشعب إلا إذا واجهت احتجاجات شعبية واسعة. التفاعل بين السلطات والمجتمع يبقى غير مؤسساتي والسلطة لا تستفيد حتى من المؤسسات التي أوجدتها هي نفسها، سواء كانت هذه المؤسسات هي أحزاب سياسية صرفة أو جهات شعبية. بدلاً من ذلك، تبحث السلطة عن حلول تخصصية، بدلاً من حلول منهجية، لمعالجة المشاكل التي تنشأ بين الحين والآخر.
يقول الباحث إن روسيا التي أسس لها بوتين -والتي رفعت مستوى المعيشة، زادت اللامبالاة السياسية، وأدت إلى ديموقراطية مستقلة- قد شارفت على نهايتها. مهما كان العهد القادم، وبغض النظر عمَّن سيكون الرئيس، ستكون روسيا مختلفة بالتأكيد.