وكعادتنا اليعربية في الالتفات إلى سير علمائنا وأدبائنا بُعيد رحيلهم عنا بدأت صفحات الثقافة والملحقات المتخصصة في الإبداع في سرد سيرة الروائي الراحل إبراهيم أصلان الذي غادر دنيانا الأسبوع الفارط.
تتبعت ما كتب عنه وعن مسيرته المملوءة بالكد والنصب في سبيل العيش بكرامة مع الحفاظ على موهبته السردية الفذة، وكان أن لفت نظري منعطف مهم في تلكم المسيرة تمنيت أن يكون الأديب المبرز لدينا حظي بمثله.
لقد كان أصلان – مثل عدد كبير من أدبائنا – رجل شارع مطحون تتلقفه الطرقات، من أجل لقمة يسد بها رمقه ورمق أسرته، إلا أن لمعان موهبته التي لاحظه عميد الرواية العربية نجيب محفوظ أخذه إلى شاطئ أكثر هدوءا من لجج الحياة وأمواجها المتلاطمة، حين شفع محفوظ له حتى تدرجه الجهة المسؤولة عن الثقافة في مصر في منحتها المعروفة آنذاك بـ مشروع التفرغ الكتابي بحيث يصرف له مرتبه، فيما يشتغل هو بهمه الإبداعي، فيتأتى له الفراغ إلى تجويد نتاجه، وإرواء المشهد بما يعمل عليه وتتوق له روحه الموهوبة فنا وجمالا، دون الخوض في كدر علائق الوظيفة الحكومية، ودهاليزها الباعثة على الهم تارة، وعلى الانكفاء والعزلة تارة أخرى.
أما الأمنية التي أرجو لوزارة الثقافة والإعلام أن تدرس إمكانية تحقيقها فتتمثل في أن أدباء ومبدعين ومبدعات من أبناء بجدتنا يعتورهم العوز، وتصرفهم عن مواصلة إبداعهم مطاردة كرامة الحياة في كل ركن وزاوية تضمن لهم ألا يهرق ماء الوجه، فيذوي ما كان متقدا من فنه، ويتيه بين تحقيق كيانين: حياته وكرامته، أو إبداعه، ولهذا فإن مشروعا للتفرغ الكتابي لأولئك الذين يستحقون من وزارتنا الحبيبة منحهم إياه لن يعجزها، وليس التفرغ العلمي الذي يحظى به الأكاديميون ببعيد عنه إذا ما علمنا أن كثيرا من مشروعات الأكاديميين تنزوي في رفوف المكتبات، فيما نتاج المبدعين تضمه الأعين والأرواح.