امرأة تتقلد الصليب وتتحدث عن الخطايا، وألا نجاة لنا سوى بالإيمان، في الحقيقة لم يتوقف عندها أحد، فالكل كان يمر من حولها غير عابئ بما تقول.. مر بذاكرتي قول المسيح عليه السلام: (إنما أرسلت إلى خراف بني إسرائيل الضالة)، ليكون من بين هذه الخراف شاول الشرير الذي ظل يعذب المؤمنين الذين زاد إصرارهم مع عذابه، عندها فكر بطريقة تهد هذا الدين، فغاب أياماً ثم عاد ممزق الثياب باكياً، وقال: إن المسيح ظهر له في البرية وقال له: لم تعذب أبنائي؟ عندها احتضنه المؤمنون ولم يشكوا به، بينما أخذ يحوك في الخفاء ليستبدل النصرانية الحقيقية بدين وثني يعتمد على الخرافة والتماثيل وملايين الحكايات الكاذبة المحملة بالعواطف التي تخالف المنطق والعقل السليمين.
في الواقع، إن الإسلام بما أنه الدين الباقي حرص على حماية نفسه من مصادر الأكاذيب، فمنذ اللحظات الأولى له ربى في داخل أتباعه العقل الناقد، فنجد عمر ـ رضي الله عنه ـ يمسك بتلابيب صحابي آخر ولا يدعه إلا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم متسائلاً عن القراءة التي قرأ بها الصحابي الآخر صلاته، كما أننا نجد عائشة ـ رضي الله عنها ـ ترد على أبي الدرداء عندما أفتى بوجوب فك المرأة لضفائرها عند الغُسل بقولها: لم لا يقول لهن أن يحلقنها؟! كما أننا نجد في ملايين الروايات والاختلافات الفقهية كثيراً من المنطق واحترام العقل، فتقدم رواية ميمونة بنت الحارث على رواية عدد من الصحابة في أين بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم لأن العقل يقول إن صاحبة القصة أولى بالتصديق، ناهيك عن أنه بمجرد أن بدأ عهد التدوين انطلقت كلمة محمد بن سيرين الخالدة: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، في الحقيقة أنه تابعي، ومن عاصره إما صحابي، أو تابعي، أو تابع تابعي، ومع ذلك فهو يؤذن بوجوب معرفة عدالة المتحدث من عدمها، والعدالة تشمل أدق الأمور عنه؛ فلا يؤخذ عن رجل قليل المروءة، أو وصل لسنّ يرون أنه خرف فيها، ولا يأخذون عن راوٍ رآه الناس يجري خلف حماره!
بهذا العقل حفظ هذا الدين، ومن الجريمة ألا نكون كسلفنا ونتفحص ما يعرض علينا، ولا نسمح لأكاذيب البعض أن تتسلل لهذا الدين، ولا نمنح الحصانة ضد النقد لأحد، فكما قال محمد بن سيرين رضي الله عنه: إن هذا العلم دين.