حققت نجاحا كبيرا بعد ترجمتها للهولندية
وقف العجوز السويدي الان كارسلون يراقب عن قرب قلة من أصدقائه نزلاء دار المسنين المعروف باسم مالامكوبنج، وهم يجاملونه بالاحتفال معه بعيد ميلاده المئوي، ألقى نظرة متنهدة من النافذة عبر الأفق والبحر الواسع الذي تطل عليه غرفته الضيفة، شعر باختناق، وأن هناك نداء للحياة لا يزال يستصرخ فيه بقايا العمر.
غافل زملاءه ومن يقومون على تمريضه، وقفز من نافذة الغرفة إلى الشارع هربا، تلقفته نسائم الهواء، اغتسل أولا في مياه البحر، وانطلق مستقلا حافلة للنقل العام، ليخوض مغامرات لم يخضها في شبابه، كانت هناك أشياء لا تزال تنتظره، شعر بأنه استرد قدميه بعد عجزهما من جديد، وقرر أن يعيش ما تبقى له من العمر منطلقا بين الشوارع والأصدقاء القدامى في انقلاب تاريخي لرجل في مثل عمره.
فعاد والتقى صديقه القديم الذي يعمل سائقا على الرغم من أنه طبيب بيطري، ولكن لا يجد عملا، والمرأة التي تعمل بالسيرك، ويستعيد كارسلون ذكرياته عندما كان خبيرا للمتفجرات، وكيف التقى شخصيات سياسية ذات حساسية في حينها، وتتقلب به الأحداث بين التشرد والمغامرة في كوميديا تبدو أحيانا سوداء، لكنها على أي حال أفضل من القبوع خلف نافذة دار المسنين انتظارا للموت. هذا مضمون الرواية السويدية رجل استرد قدميه للكاتب جونيس جوناسين التي صدرت عام 1962، ووجدت رواجـا ونجاحا منقطع النظير هناك، وبعد مرور هذه الأعوام الطويلة، اكتشفت الأديبة الهولنديــة كوري فان بيري عمق وجمال التجربة الإنسانية الفريدة التي تقدمها الرواية، فقررت ترجمتها إلى اللغة الهولندية تحت عنوان الرجل المئوي الذي قفز من النافذة واختفى. وكما أحدثت الرواية الأصلية ضجة ولقيت ترحيبا في السويد، لقيت الترجمة الهولندية نجاحا مبهرا بين القراء، حتى قيل أنها أعادت الروح والحياة لنزلاء دور المسنين، بعد أن حرصت المكتبات على بيعها بهذه الدور، إلى جانب قيام الأبناء بإهدائها للآباء القاطنين بدور المسنين لانتظار النهاية، فكانت الرواية ارتدادا إلى الأمام لمنح الأمل والابتسام للمسنين، بأن العمر لم ينته بعد حتى وأن بلغ المئة، فلا تزال في الحياة مغامرات تستحق البقاء.
وهكذا فعندما يقرر كاتب أو أديب ترجمة عمل أدبي لشخص آخر إلى لغته، فلا شك أن هذا العمل يحمل جديدا لم يقدم من قبل، معلومة أو فكرة، أو حتى تجربة إنسانيـة فريدة يمكن الاقتداء بها، وهذا ما توافر في الرواية السويدية. يذكر أن كوري فان بيري كاتبة وأديبة لديها دار نشر، وتدير وكالة أدبية بهولندا، ولها العديد من الترجمات من لغات أخرى منها السويدية والفنلندية.