اعتبر القاضي الدكتور ناصر زيد بن داود أن من أثمن ما احتواه الأمر الملكي بتعديل نظام المطبوعات والنشر هو النصّ بذات الصراحة على حق مقام سماحة المفتي العام ومقام هيئة كبار العلماء ورجالات الدولة وموظفيها وغيرهم من المواطنين في عدم التعرض لأشخاصهم بالإساءة أو النقد بما يمس كرامتهم أو أعراضهم؛ تأكيداً لحفظ الكلمة وصيانتها، وتشديداً على تحمل مسؤوليتها، وإظهاراً لخطورة التساهل فيها. وأشار الداود إلى أن الأمر أضفى الصفة القضائية الصرفة على لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر من عدة أوجه: الأول هو اشتراط الخبرة في الأعمال القضائية في من يرأس اللجنة الابتدائية، والثاني: إحداث اللجنة الاستئنافية - على نحوٍ لم يكن قبل ذلك - واشتراط ألا تقل خبرة رئيسها وسائر أعضائها عن خمس وعشرين سنة، والثالث: إضفاء الصفة القطعية لأحكام اللجنة الاستئنافية، وعدم قابلية أحكامها للطعن أمام أي جهة أخرى. أما الرابع فهو تحصين اللجان الابتدائية والاستئنافية باشتراط تأليفها بأمر ملكي. والخامس: إحاطة اللجان الإعلامية بسياج آمن على أعلى المستويات؛ بحيث لا تنقل اختصاصاتها إلا بالطريقة التي تم بها تشكيلها. وأضاف الداود أن الأمر الملكي استفتح بالتأكيد على الالتزام بشرط الولاية الشرعية والنظامية؛ درءاً للتجاوزات الولائية، والجرأة على مخالفة التعليمات، بل إنه ذهب في الصراحة إلى أبعد من ذلك بالنص على إلغاء ما صدر بالمخالفة وإبطاله وعدم ترتيب أي آثار عليه، واعتبر أن الجهات المخالفة غير ذات صفة أصلاً. وأوضح الداود أن الأمر لم ينس في استهلاله أن يستصحب كون الاختلاف وتنوع الآراء والاجتهادات سبيل من سبل الثراء المعرفي وسعة أفق الشريعة الغراء، وزاد أن قرر حقيقة استثمار النقد البناء متى كان منضبطاً مسؤولاً هادفاً لتحقيق الصالح العام، وجعل الساعين إلى طلب المصلحة العامة بالصدق والإخلاص والموثوقية والسمو في مقام عالٍ كبيرٍ جداً بجعلهم محلاً لاعتبار المقام الملكي الكريم وتقديره.
بينما وصف الكاتب محمد عبداللطيف آل الشيخ الأمر الملكي بتعديل بعض مواد المطبوعات والنشر بأنه متوازن، وعادل، ويضبط قضايا النشر، ولا يمس سقف الحرية، متى كانت المادة الصحفية مهنية، وموثقة، وتنطلق من منطلقات مقبولة، ولا تمس الأشخاص بتجريح أو انتقاص شخصي، أو خلافه. وهذا ما هو جلي في ديباجة الأمر الذي جاء فيه بالنص: (إن اختلاف الآراء وتنوع الاجتهادات مصدر إثراء يضاف لرصيدنا العلمي وأفقنا المعرفي على ضوء ما أرشد إليه سلفنا الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي الرصين من سعة الشريعة ورحمتها بالأمة وأن الرجال يعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال).
وقال آل الشيخ: إن عبارة (أن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال) تعني بوضوح حرية النقد، شريطة ألا يكون فيه مساس بالأشخاص أو تجريح لهم، فالحق ليس قصراً على أحد، فمتى ما كان لصاحب الرأي رأي في قضية معينة، ورأيه مؤصل، ومُسند بالدليل، ويهدف إلى تحقيق مصلحة، فهو يدخل تحت هذه العبارة تماماً. = وفيما يتعلق برفع سقف الغرامة إلى 500 ألف ريال، وإمكانية مضاعفتها عند تكرار المخالفة، أوضح آل الشيخ أن ذلك معقول ومبرر أيضاً، فالذي لا يتحرز من النقد، ولا يدرك مدى خطورة الكلمة، فيجب أن يكون عقابه مشدداً، ويجب ملاحظة أن لجنة المخالفات الإعلامية في الماضي تحكم بالحد الأعلى للغرامة على أكثر من شخص اعتباري، فتحكم على الصحيفة مثلاً بالحد الأعلى للغرامة والذي كان 50 ألف ريال، وعلى الكاتب أو الصحفي بالحد الأعلى للغرامة إضافة إلى الصحيفة، وحسب التعديل الجديد فإن الحد الأعلى للغرامة مجتمعة يجب ألا يزيد عن 500 ألف ريال، تجري مضاعفتها عند تكرار المخالفة، وليس ثمة تعدد في الغرامة حتى وإن تعددت الأطراف. النقطة الثالثة أن الأمر الأخير جعل هناك استئنافاً داخل الوزارة نفسها، فلا تحتاج القضايا الإعلامية أن تحال في حالة الاستئناف إلى ديوان المظالم، وهذا ما سيجعل القضايا الإعلامية داخل وزارة الإعلام، ولا تحال إلى جهة أخرى.
واختتم آل الشيخ حديثه قائلا في تقديري أن الأمر لا يمس سقف الحريات الصحفية بقدر ما ينظمها، وعندما تكون المادة الصحفية خالية من المحاذير، والاستهداف الشخصي، أو التجريح، فليس ثمة ما يمنع النشر.