هناك فرق بين مفهوم (الوظيفة) وبين مفهوم (المهنة), فـ(الوظيفة) ترتبط بوقت محدد، ينتهي بتقاعد الموظف، أو انتهاء عقده، أو نهاية الحاجة له, دخلها محدود وإبداعها محدود. و(المهنة) ترتبط بصاحبها، ويسمى بها، وتنتقل معه أينما انتقل, زمنها طيلة الحياة وعقدها لا ينقطع, بل كلما طال الزمن بصاحبها زاد مهارة أكثر وقدرة أكثر واحترافًا أكثر. والوظيفة تقوم على المعرفة والمهنة ترتكز على المعرفة وعلى المهارة معًا. وأصحاب المهن من أطباء ومهندسين وفنيين وحرفيين مهرة يتجاوز عملهم (الوظيفة), ويتجاوز إبداعهم (الموظف)، وتتعدى أجورهم أهل (الدخل المحدود) ويستطيعون العمل بمهنهم خارج الحدود.
المفهوم القديم الذي يزدري أصحاب المهن تجاوزه المجتمع السعودي، عند دخول أول عامل سعودي إلى شركة أرامكو السعودية في الخمسينات الميلادية، وعندما تم ابتعاث المهنيين من أرامكو وسابك والخطوط السعودية والقوات الجوية, وتم نقل المهارة وثقافة العمل من المؤسسات العالمية العريقة، ومن مراكز التدريب المتقدمة، عن طريق هؤلاء المبتعثين لهذه المؤسسات الوطنية؛ لتتحقق الفائدة على المستوى الشخصي بالتأهيل والانضباط، وعلى مستوى العمل بالجودة، وعلى المستوى الوطني بسعودة الوظائف الفنية والمهنية مبكرًا. وأصبح بعض هؤلاء الفنيين بفضل ما اكتسبوه من مهارة وخبرة عالمية وحب للعمل، بعد انتقالهم للقطاع الخاص؛ أصحاب شركات ومراكز متقدمة، يمارسون من خلالها مهنهم وهواياتهم التي لم تنقطع بنهاية العمل؛ لأنهم حصلوا على (سنارة) صيد العمل و(منجم) المهارة عن طريق تأهيلهم الفني والمهني وخبرتهم الميدانية.
وإذا كان برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث طيلة السنوات العشر الماضية قد حقق العديد من الأهداف في التخصصات الجامعية والدراسات العليا, فالملاحظ أن اتجاه أغلب هذه التخصصات وهؤلاء المبتعثين هو اتجاه وظيفي وليس مهنيًّا، وأن نسبة الابتعاث الفني والمهني منه لا تقارن بالابتعاث الوظيفي, وهو ما سيخلق عبئًا إضافيًّا على الدولة في إيجاد وظائف كافية عند عودة جميع هؤلاء المبتعثين، لذلك فإن إعادة تقويم هذا البرنامج بعد تجربة عشر سنوات من ابتعاث الآلاف، وضم ضعفهم وخصوصًا بعد اكتمال البنية التحتية للجامعات في مناطق المملكة المختلفة, لتوجيه مثل هذا البرنامج للابتعاث المهني أو إيجاد برنامج ابتعاث موازٍ، عن طريق وزارة العمل لابتعاث الشباب العاملين في القطاع الخاص على المهن التي يحتاجها سوق العمل؛ أصبحت ضرورة مرحلة, وليس ببعيد عنا وضع خريجي المعاهد الصحية الذين لم يعترف بهم القطاع الخاص ولم يستقبلهم القطاع الحكومي، وأصبح توظيفهم وإعادة تأهيلهم عبئًا إضافيًّا على الدولة، وقد كان تأهيلهم من البداية ممكناً في المراكز العالمية المتخصصة، التي تمنحهم بالإضافة للتدريب الاحترافي الشهادة المعتمدة والخبرة العملية التي تحتاجها المهنة. ووجود مثل هذا البرنامج الموازي هو ميزة إضافية سوف تكسب شبابنا ثقافة العمل والمهارة المتقدمة، وسوف يخرّج لنا جيلا قادرا على منافسة المهنيين والفنيين القادمين من الخارج، ويجعل من الشاب السعودي محل طلب وترحيب جميع المؤسسات العامة والخاصة.
تتويت:
الابتعاث الفني والمهني ما دون الجامعي أقل تكلفة وأقصر زمنًا وأشمل فائدة، وسينقل لنا ثقافة العمل الميدانية، وسيكسب مبتعثينا المهارة التي تساعدهم على المنافسة في الحصول على المهن المتوفرة في سوق العمل.