أعود لأكتب عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عطفا على بعض الردود التي وردتني مباشرة أو التي كتبت في موقع الصحيفة تعليقاً على مقالة الجمعة الماضية.

أعود لأكتب عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عطفا على بعض الردود التي وردتني مباشرة أو التي كتبت في موقع الصحيفة تعليقاً على مقالة الجمعة الماضية.
فمن الملاحظ لدي ومنذ سنوات أن النقد الذي يوجه للهيئة لا يلقى قبولا لدى البعض حتى وإن كان هذا النقد متسماً بالصدق والموضوعية، ذلك أن المعترضين ومن خلال منهجهم في كتابة ردودهم وتعليقاتهم أو من خلال مناقشاتهم لا يستندون على ما يفترض أن يلتزموا به أكثر من غيرهم، كونهم صنفوا أنفسهم على أنهم من أهل الغيرة والدفاع عن الدين، بمعنى أنه يفترض أن يكونوا مثالا للصدق والدقة والتحلي بالقيم الفاضلة وعدم التجني والشتم والسب، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، وألا يكونوا ممن إذا خاصم فجر، وأن يتبعوا الدليل من الكتاب والسنة فيما يناقشون ويطرحون ويستدلون، لا أن يكون دليلهم الهوى أو نصرة الذات، وأن يطبقوا منهج نصرة الأخ ظالما أو مظلوماً وفق ما جاء في تفسير هذه النصرة، لا أن تكون النصرة غير منضبطة وفيها تعد وإثم وتجاوزات شرعية، ثم مما يفترض أن يتسموا به حسن الظن بالآخرين والتفريق بين من ينتقد الهيئة ناصحاً وبين من ينتقدها ناقماً حاقداً رافضاً للشعيرة ذاتها، وأن يستحضروا دائماً آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا...
كما أنه من الملاحظ في مثل تلك الردود التي تقال وتكتب من طرف المدافعين عن الهيئة أنها إن قبلت بذلك النقد كون الموضوع مكان النقد كان واضحاً ومثبتاً أو فيه اعتراف بالخطأ من الفاعل ذاته أو الجهة التي تمثله فإن أصحاب تلك الردود لا يقبلون أيضاً بمثل ذلك النقد، ولا بصاحب النقد، وفي أهون الحالات سوف يلومون المنتقد كونه ترك العديد من مظاهر الفساد، وسلم من قلمه ونقده كما يقولون أبطال ذلك الفساد من (الليبراليين والعلمانيين ومن يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع) ولم تسلم منه الهيئة ومنسوبوها، وفي ظني أن هذا المنهج في الاعتراض أو تعليل الاعتراض أيضاً غير سوي وغير دقيق وفيه تجنٍ، وقائم على مبدأ غير مقنع، ذلك أن المحب لأي شيء سواء كان شخصا أم عملا فإنه يحرص على أن يبدو هذا الشيء على أحسن حال، فالأب حينما يعاتب ابنه وينتقد سلوكا غير سوي صدر منه إنما يمارس ذلك من منطلق التقويم والتصحيح، ولا يمكن لأي شخص حاضر وشاهد لهذا النقد أن يفهم منه سوى حب عظيم من الأب تجاه الابن، مصحوباً بأمل أعظم يوم أن يكون ذلك الابن مستنداً في حياته على بنية تحتية عظيمة من القيم والمباديء والخبرات اكتسبها من نقد والده له لسنوات طويلة، وبالتالي لا يمكن لنا أن نرفض نقد الأب لابنه بحجة أنه ترك سلبيات أبناء الجيران وأبناء الأقارب واهتم فقط بسلبيات وعيوب ابنه، ولهذا أقول إن محبي الهيئة ينبغي ألا تكون تصرفاتهم وكتاباتهم مجرد ردود فعل، بل ينبغي أن يهتموا بالهيئة وبسمعتها وبما يحقق أهدافها ورسائلها وأن يمارسوا بأنفسهم وبشكل دائم نقدها حباً ودعما لها.