لاحظ الجميع ذلك التجاوب الوطني المشهود من أبناء المنطقة الشرقية، ومن بعض المطلوبين الذين بادروا بتسليم أنفسهم، ذلك أن القطيف وغيرها من مدن الشرقية ليست إلا جزءاً من هذا الوطن، ومن واقعه ومستقبله
أسوأ ما حدث في التعاطي الإعلامي مع أحداث القطيف تلك التناولات التي جعلت تلك الأحداث علامة على منطقة، بينما هي في الواقع لا تعدو كونها مواقف لا تعكس على الإطلاق شخصية تلك المنطقة وأهلها بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم. زاد ذلك أن كثيراً من مواقع الإنترنت التي يحملها أصحابها اسم القطيف تنزع دائماً باتجاه كونها منبراً إعلامياً للمنطقة، وهو ما يمثل خطأ آخر تتمثل سلبيته في إعطاء صورة خلاف الصورة الحقيقية للمنطقة، فهي مجرد واحدة من مناطق المملكة التي تعيش ما تعيشه غيرها من المناطق من تنمية.
إن وجود أفراد ينتهكون الأنظمة والقوانين ليست مسألة محصورة أو خاصة بمنطقة دون غيرها بل تحدث في جميع المناطق، وبنسب ومبررات متفاوتة بل ومن خلال وازع مختلف أيضا، فالذين خرجوا بالسلاح منذ سنوات وأداروا معركة مع الدولة ومع الناس، كانت خطاباتهم ورسائلهم تضج بعبارات ادعاء الحق والصواب والدفاع عن الحق أيضا، لكن الواقع لا يقول بشيء من ذلك أبدا، والمواجهات الأمنية التي أسفرت عن نجاح وطني واسع وحصار حقيقي لكل الخلايا والجماعات الإرهابية لم تكن تحفل أو تهتم بكل ما يعلنونه من صلاح وتقى ودفاع عن الحق وحرب على الباطل، ومع أن المبرر والشعار الذي ظلوا يرفعونه كان شعاراً مقدساً وسائغاً لتمريره على غيرهم بحكم ارتباطه بالديني واتخاذ ذلك الديني شعاراً ولغة خطاب، ولم يكن المذهب ولا التوجه الديني المعلن لتلك الجماعات مؤثراً في نوعية مواجهتهم وحربهم وحصارهم على كل المستويات. ذلك أن الجريمة الوطنية واحدة، والإخلال بالأمن واحد، مهما أراد القائمون به أن يمنحوه صبغة دينية.
الآن يبدو أن الإيديولوجيا القائمة حالياً هي أيديولوجيا الحقوق والثورات، وهي بكل أسف، توشك على التحول إلى مجرد شعارات مؤدلجة تأخذ من القيمة مجرد عنوان فقط، بينما تتصرف بشكل لا يمت لتلك القيم بأي صلة، فالحقوق والحصول عليها وإبداء الاحتجاج وحرية التعبير والمناداة بالمساواة والعدل كلها قيم إيجابية ووطنية عليا، لكن العمل من أجلها لا يتم أبدا من خلال الفوضى والإخلال بالأمن. حين ظلت وزارة الداخلية طوال السنوات الماضية تنشر صور المطلوبين في قضايا الإرهاب والتطرف، وتشدد على أهمية تعاون المواطنين في الإبلاغ عنهم، ودعم عمليات المواجهة معهم؛ إنما كانت تسعى لتأكيد الدور الاجتماعي الفعلي والحقيقي في التعامل مع مثل هذه الجماعات، ذلك أن المجتمع السعودي مهما تنوعت مناطقه وجهاته وشرائحه إلا أنه يكون في حالة إجماع صارمة أمام القضايا والأحداث التي تهدد أمنه واستقراره وتنميته، خاصة وأن الواقع من حولنا يثبت باستمرار أن الأمن والاستقرار هما الضامنان الأولان للتنمية وبناء الإنسان والمستقبل. هذه الشراكة وهذا الإجماع، إجماع وطني بامتياز من شرق الوطن إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ومنذ يومين وحين أصدرت وزارة الداخلية السعودية قائمة بالمطلوبين أمنياً من المتهمين بإثارة أعمال تخل بالأمن إنما كانت تدرك المعنى الحقيقي لذلك، وهو أن لدى الوزارة ذات الأدوات والأساليب التي تتعامل بها مع الإخلال الأمني مهما كان مصدره ومهما كانت مبرراته وشعاراته التي يرفعها. وقد لاحظ الجميع ذلك التجاوب الوطني المشهود من أبناء المنطقة، ومن بعض المطلوبين الذين بادروا بتسليم أنفسهم، ذلك أن القطيف وغيرها من مدن الشرقية ليست إلا جزءاً من هذا الوطن، ومن واقعه ومستقبله.
إذن، فالقطيف أو العوامية أو غيرها من المحافظات ليست ملفات قائمة على الإطلاق، بل هي مدن شهدت أحداثا عابرة بإذن الله، وكل أبناء المنطقة وكل أبناء الوطن شركاء في المواجهة وفي إبداء الرأي حول تلك المواجهة والتفاعل معها، ومن غير المنطقي ولا اللائق أن يتم التعامل مع تلك الأحداث على أنها ملفات قائمة، بينما هي مجرد أحداث.