يحسب لوزارة الثقافة والإعلام هذا النجاح في عقد ملتقى المثقفين الثاني في مدينة الرياض، وهذا الحضور الجيد من وزراء ثقافة وكتاب ومثقفين. كما يحسب لها أيضا هذا الوفاء والتكريم لمن رحلوا عنا جسدًا وبقوا معنا ثقافة. وبلاشك أن هذا الملتقى كان نتاجا لحراك تشهده الوزارة منذ أن أسندت قيادتها للوزير الدكتور والشاعر المثقف، نلمسه نحن المتابعين للشأن الثقافي نشاطًا بدأ يدب في عروق أنديتها الأدبية, وحرية في معارض كتابها, وتنوعًا في فضائها, وحراكًا نتطلع أن يضع الثقافة محورًا للتنمية، ويفتح المجالات الثقافية لكافة شرائح المجتمع؛ ليوسع دائرة المشاركة في الحياة الثقافية التي كانت في يوم من الأيام منغلقة على ذاتها وفي أبراجها الورقية, آملين أن يحقق هذا الملتقى صياغة إستراتيجية شاملة لمستقبل الثقافة في المملكة كما خطط له.
ويحسب على وزارتنا الغالية، وعلى الهيئة الاستشارية للثقافة, حصر عدد المدعوين من كل أنحاء المملكة وفي جميع المجالات الثقافية بألف مدعو فقط، كذلك الغياب الواضح للمثقف الديني والمثقف الشاب عن هذا الملتقى. ولأن (الثقافة) هي التنوع المشكل من كل الأطياف، والتمايز المكون لكل الألوان, وهي (الثقافة) التي تجمع ولا تفرق، معيارها الفكر والإبداع لا السياسة والإيديولوجيا, لا الانتماء والتوجه. فـ(الثقافة) عمل فكري وهمٌّ مشترك. عندما يجتمع المثقفون في ملتقى فهم يجتمعون لتجسير فجوة وإذابة خلاف. يجتمعون لنبقي على التنوع والرؤى المتعددة ولنبتعد عن النمطية الثقافية التي ما فتئت تكرر نفسها منذ أربعة عقود. تلك النمطية التي تصنف المثقف بـ(مع) أو بـ(ضد) وليس (مع الضد) ولا تؤمن بأن الأفكار بضدها تتميز. ولكي نعالج قضايانا الجوهرية الملحة لا بد أن نبتعد عن المعية وعن الضدية، وعن ثقافة الفكر الواحد. وقيادة المملكة السياسية التي وفرت الحرية لعقد مثل هذه الملتقيات تعي تمامًا ما يتوافر بها من ثقافات متعددة، وآلاف القامات السامقة في الفكر والأدب والشعر والرواية والمسرح. تمامًا كما نعي جميعًا أن هذا التعدد وهذا التنوع هو سر قوتنا وتميزنا الثقافي. فالثراء الثقافي ميزة والتنوع إضافة, والمثقف الديني الوسطي جزء مهم أيضًا من ثقافة قبلة الإسلام والمسلمين، بل إن ثقافة هذا الكيان الدينية وتاريخه الثقافي الإسلامي هما الوعاء الثقافي الذي يحتضن هذا المنتج ثقافيا، كما أن الشباب يمثلون النسبة الأكبر في المجتمع، وهم الرقم الذي لا يمكن تجاهله. وكان على الهيئة الاستشارية للثقافة أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن تراعي ذلك في دعواتها وفي ضيوف ندواتها, لكي نستفيد نحن متابعي الشأن الثقافي من كل الرؤى والمشارب الثقافية، ولكي تحقق الوزارة التنوع والتكامل الثقافي الذي أعلنته كأحد أهداف هذا الملتقى.
وإذا أردنا للثقافة أن تكون محورا التنمية فلابد من تغيير الرؤية القديمة التي تحدد قيمة المثقف حسب معيارها الذي يرى (أن) الثقافة ليست شأن الجميع، وليست هم الجميع، بل(الثقافة) نخبوية الشأن والهم, ومن هنا جاء حصر الدعوات على الألف مثقف فقط, والغياب الواضح للمثقف الديني، ولجيل الشباب عن الملتقى, وهو ما يعد امتدادا للرؤية القديمة نفسها، وللمعيار النخبوي القديم نفسه.
تتويت:
صياغة إستراتيجية شاملة للثقافة في المملكة لا تقتصر على الأدباء, وتتطلب مشاركة شاملة لمثقفيها على مختلف مشاربهم وتنوع انتماءاتهم وأعمارهم، ومناقشة شاملة لإشكالياتهم وقضاياهم الحاسمة، حتى لا نقع في فخ (الإقصاء الثقافي) أو البقاء رهن (الرؤية النخبوية) القديمة.