لاهاي: فكرية أحمد

كانت رحلة الكاتب الصحفي الهولندي آد كامستيخ، وزميله المصور تجيرك دي فريز إلى إسرائيل وفلسطين نهاية العام الماضي بهدف تغطية صحفية وإجراء لقاءات سياسية مع بعض المسؤولين في كلا الجانبين، إلا أن الرحلة اتخذت - رغما عنهما - منحى مختلفا، ليجدا نفسيهما يسيران في طريق آخر بعيدا عن الحوارات السياسية، إلى كتابة قصص في سياق أدبي وعميق عن الواقع الاجتماعي اليومي الذي يعيشه الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء، عن مواطن الشارع العادي بكل توجهاته وأطيافه، رجال ونساء، وحاخامات أرثوذكس ، ويهود، مسيحيين، وسكان المستوطنات، وعرب 48، ومسلمين فلسطينيين ودروز، وعشرات القصص رواها هؤلاء لينقلها كامستيخ وتسجلها كاميرا دي فريز، وكانت المحصلة صدمة للقارئ في كتاب حمل اسم أووختاوخ إن إسرائيل بالهولندية وتعني بالعربية شاهد عيان على إسرائيل.
رصدا فيه أن التمزق الذي يعاني منه الشارعان الإسرائيلى والفلسطيني، يستحيل معه إقامة سلام حقيقي، سلام يتعايش فيه اليهود جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين في دولتين، فالنتيجة النهائية التي خرج بها الكتاب من خلال قصص واقعية، أن حالة التمزق الاجتماعي والاقتصادي، تشكل حالة معقدة للغاية للسلام، حالة تسير به إلى حفرة أو بالوعة على حد تعبير الكاتب، حفرة سيلقي عليها اليهود كلمة شالوم، ويلقي عليها الفلسطينيون مرادفها العربي سلام.
ويخرج الكاتب بنتيجة، وهي عدم تحقيق السلام قبل معالجة التمزقات الاجتماعية واليأس الاقتصادي المستعر بكلا الجانبين، كل على شاكلته وعلى قدره، فهناك فجوات هائلة يصعب معها إقامة تفاهمات أو علاقات جوار تتسم بالحميمية أو حتى السلام الموثق في اتفاقيات، أي أن بذرة السلام يجب أن تنبثق من إزالة المشكلات المتجذرة والمتورمة لكل المواطنين الذين تطرح معاناتهم تساؤلات حتمية، حول هل مستقبل اليهود معرض للخطر في إسرائيل، وما الذي سيدفع أو يحفز اليهود الفلسطينيين لإقامة سلام، وهل التعايش السلمي بينهما ممكن على ضوء المعطيات المطروحة البائسة حاليا؟ الكتاب الذي صدر قبل أيام، في 168 صفحة من القطع المتوسط، أثار ضجة وصدمة في هولندا، خاصة لدى القارئ العربي المتقن للهولندية، لما فيه من وقائع مأساوية تجعل الكثيرين يفقدون الأمل في سلام قريب على أرض الواقع. يذكر أن كامستيخ درس العلوم السياسية، وبدأ عمله كصحفي ومحرر بعدة إذاعات منذ عام 1967، له خبرة دولية حول إسرائيل والدول العربية الدائم السفر إليها بهدف تغطيات صحفية، وكان رئيسا للرابطة الشعبية لإصلاح التثقيف السياسي بهولندا، وله عديد من الكتب في المجالات الدينية الإنجيلية والسياسية.