رغم العداء والكراهية الشخصية بين صدام وحافظ الأسد، إلا أن التعاون الاستخباراتي ظل قائماً بين البلدين بحيث تم القضاء على كل تحرك ديني/سياسي

-1-
من ينظر إلى العلاقات السورية – العراقية منذ عهد صدام حسين- حافظ الأسد قبل عام 2000، يظن أن البلدين المحكومين لحزب واحد (حزب البعث العربي الاشتراكي) هما على مفترق طرق. والصحيح هو عكس ذلك. ولعل الحملة الأميركية على العراق 2003، قد زادت من التلاحم والتقارب العراقي/ السوري ببركات إيرانية واضحة الآن، حيث يُزوِّد العراق الآن الجيش السوري بالنفط، ويتقدم العراق الآن لسورية بمبادرة لحل الأزمة، وتعتبر إيران العراق – في حال السقوط المحتمل للنظام السوري – البنك البديل مقابل إغلاق المصارف الغربية في وجهه. والخلاف الشخصي الذي كان قائماً بين حافظ الأسد وصدام حسين – نتيجة لاختلاف الأمزجة – لم يؤثر كثيراً على العلاقات التجارية بين البلدين. وللمفارقة، فإن هذه الكراهية الأخوية بين صدام والأسد، انتهت قبل سنة وعدة أشهر، من الحملة على العراق 2003.
-2-
بدأ الخلاف الحزبي السوري – العراقي عام 1966، عندما طُرد ميشيل عفلق وصلاح البيطار الزعيمان التاريخيان المؤسسان لحزب البعث، من سورية بانقلاب دموي داخل حزب البعث، قام به الضابطان: صلاح جديد، وحافظ الأسد. وأصبح الجناح اليساري السوري (البعثيون الجُدد) يحكم سورية بكادر حزبي شبه لينيني، حتى عام 1970، عندما عاد حافظ الأسد، وانقلب على صلاح جديد، واستولى على الحكم. كذلك فعل صدام حسين في 1979، حين انقلب على أحمد حسن البكر. وأصبح عفلق في العراق (القيادة القومية للبعث) الأمين العام لحزب البعث العراقي، ونائب صدام حسين لبعض الوقت.
-3-
يقول المستشرق الألماني كارستين ويلاند في كتابه (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟)، إنه منذ نهاية 2003، عادت التجارة السورية مع العراق أسرع من المتوقع، ليمثل العراق الشريك التجاري الرئيسي لسورية في العالم العربي، بحصة تبلغ 16 % من الصادرات السورية. ويبدو أن الفوضى في العراق بعد 2003، كانت عوناً لسورية أكثر منها عائقاً. إذ لم يكن ممكناً لقوات التحالف أن تتحمل مجازفة منع البضائع المتدفقة من سورية. ويقال إن إحدى الشخصيات النافذة في حزب البعث السوري (القيادة القطرية)، كانت تتولى تموين الجيش الأميركي الغازي عبر الحدود السورية – العراقية. وكان هناك ما يقارب من 700 شاحنة، تشق طريقها يومياً بين حلب والموصل وحدها. وأن الجنود الأميركيين كانوا يقبلون الرشا من التجار السوريين لكي يسمحوا لهم بعبور الحدود السورية – العراقية، كما قال المحلل السياسي العراقي سمير التقي للمستشرق الألماني المذكور في كتابه السابق (ص141). وهذا ما قام به بعض التجار الإيرانيين على مرأى ومسمع من ملالي طهران الحاليين.
-4-
من الملاحظ أن الاشتراكية قد انهارت وتآكلت، بعد عام 1991، وبعد انهيار الإمبراطورية السوفيتية، وحلف وارسو. إلا أن سورية أبقت على الصورة الباهتة للاشتراكية المزعومة من خلال مكاتب الحكومة المُغبرَّة، وتقديم الإعانات الغذائية والدوائية، والخطط الخمسية، وحكم الحزب الواحد، كما كان عليه الحال في مصر، في عهد عبدالناصر، والسادات، ومبارك. كما زاد في سورية ـ إمعاناً في تأكيد الصورة الاشتراكية المزيفة ـ حجم موظفي الحكومة والإدارة المحلية، وكذلك كان عليه الحال في العراق قبل 2003.
-5-
هل كانت سورية دولة فاشية، كما كان الحال في العراق قبل 2003 وبعد هذا التاريخ، وحتى الآن، فيما يظهر من الأزمة السياسية العراقية؟ يقول العالم السياسي ريموند هينبوش أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز في أسكتلندا: إن سورية أصبحت من ضمن الأنظمة الفاشية الشعبية في الشرق الأوسط. وقد وجدت سورية نفسها عرضة للتهديد والاضطراب الداخلي. فكانت تتطلع في البداية إلى الآلة العسكرية والإدارية، بحثاً عن الدعم. بينما كانت تحاول في الوقت نفسه، توسيع قاعدتها الاجتماعية، لتشمل الطبقة الوسطى الدنيا، لتعزز بذلك من شرعيتها. وتحاول أنظمة الفاشية – بما فيها سورية والعراق - حماية استقلالها، عن طريق تحديث دفاعي. وعلى الرغم من أنها تدخل دائرة النظام الرأسمالي العالمي، فإنها تحاول بناء صناعة لتقليد البضائع الاستهلاكية الرخيصة، وإنتاجها، بهدف تجنب الاعتماد على الاستيراد. وتكون الدولة هي من يتولّى هذه الأمور، بينما تبقى البرجوازية الصناعية ضعيفة. وهذا ما تمَّ في بعض الدول العربية، التي ادعت الاشتراكية كمصر، والجزائر، وليبيا، والعراق، وجنوب اليمن، وغيرها. ولكن تبين لنا أن هذه الدول – بما فيها الدول المنتجة للنفط – قد ازدادت فقراً، وانخفض فيها مستوى معيشة مواطنيها. وكانت سورية والعراق أبرز هذه الأمثلة.
-6-
كان صدام حسين وحافظ الأسد ومن بعده بشار، يفخرون جميعاً، بأن كُلا من العراق وسورية يمثل كل واحد منهما النظام العَلْماني الوحيد في المنطقة. ففي العراق وسورية يوجد مجتمعان متعددا الإثنيات والأديان. وكانت سورية، والعراق، تدعيان أن لديهما أفضل سياسة في العالم العربي للارتقاء بحقوق المرأة. وكان نظاما البلدين يدعيان، أن فيهما من المظاهر والتطبيقات السياسية والاجتماعية المختلفة، ما يجعلهما يتماهيان مع النظام الأميركي تماهياً يكاد يكون كاملاً، شرط أن يتم إخراج إسرائيل من هذه المعادلة، لكي يتم تلاقي المصالح تلاقياً واتفاقاً تاماً، كما كانت تقول وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟ ص 171). ولكن، العزلة العراقية التي جرت بفضل الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988، والتي جرت بفضل حرب الخليج 1990-1991 والحظر الجوي الذي حاصر العراق 1991-2003، وكذلك العزلة السورية، التي جرت، نتيجة موقف سورية من معاهدة كامب ديفيد 1979، ونتيجة لمذبحة حماة 1982، واستعمار سورية للبنان وامتصاص ثرواته (1976- 2005)، بموافقة إسرائيلية، مقابل إغماض سورية عينيها عن الجولان (حسب الرسالة السرية التي نقلها الملك حسين لرئيس الوزراء رابين، وحسب ما قاله أنطوان لحد في كتابه في عين العاصفة.. خمسون عاماً في عين العاصفة، 2004).. كل ذلك لم يُتح للجماعات الإسلامية/السياسية العمل السياسي الناجح سواء كان ذلك في العراق أم في سورية. بل إن بعض التقارير كانت تقول، إنه رغم العداء والكراهية الشخصية بين صدام وحافظ الأسد، إلا أن التعاون الاستخباراتي ظل قائماً بين البلدين بحيث تم القضاء على كل تحرك ديني/سياسي، كما تمَّ في العراق في مذابح الشيعة والأكراد (المقابر الجماعية، وحلبجة)، وكما تمَّ في سورية في مذابح حماة 1982، وملاحقة فلول جماعة الإخوان المسلمين، بعد ذلك.