نجران: عبدالله النهدي

الجميع يعرفهم ويتميزون بالمسالمة ولا يطلبون أكثر مما يحتاجون

هم قلة في شرورة وإن كانوا نارا على علم قلتهم جاءت لتناسب نوعا ما عدد سكان المحافظة، وشهرتهم زادتها محدودية المجتمع تعدادا بالإضافة إلى سلوك انفردوا به وميزهم، فهم نصف هائمين، لأنهم يقسمون اليوم إلى هيام في النهار، وسكون في الليل. أغبلهم سيصبح بطلا أولمبيا لو شارك في بطولات سباقات المشي لمسافة الـ20 كيلومترا. أحدهم يمكن وصفه بالـمستكين، وهو موظف بنك سابق، والثاني رجل أمن سابق أيضا، و ثالثهم كان من منسوبي الأمن السابقين يسكن الأخاشيم بعيدا عن شرورة بنحو 30 كيلومترا ومتى شاء اتجه إلى السوق أي إلى شرورة لينضم لباقي هائمي شرورة.
خالد. ع وهو أشهرهم، ينطلق متي استكفى بما قسم له من ساعات نوم متجها إلى الهيئة التي استيقظ عليها لمقعد عُرف باسمه أمام محل تجاري يلتمس من الداخلين فيه والخارجين منه نقدا لا يتعدى حاجته، فإذا كان يحتاج لري ظمئه في صيف شرورة الحار وشمسها اللاهبة التي أثرت على لون بشرته فقيمة علبة ماء تكفيه، ولا يقبل أكثر من ريال لشرائها، وترتفع طموحاته لتصل إلى 5 ريالات عندما يشعر بالحاجة إلى شراء علبة سجائر. وخالد الذي كان يوما موظفا ببنك، تراه اليوم رث الثياب، حافي القدمين، لا يمكن لأحد أن يعرف لون ثوبه الذي لا يزور المغسلة. المتسوقون جميعا يتعاطفون مع حالتة وإن كان منهم وبالذات من لا يعرفه من يبدي امتعاضه من إلحاحه أحيانا في طلب الريال.
ويقول أحد العاملين في المحلات التجارية التي يجلس بقربها خالد: إن صوته يعكس وضعه وحالته، فكلما ارتفع كانت حالته النفسية أكثر تدهورا، وإن انخفض كان أهدأ. ويضيف ومن كثرة مشاهدتنا له وجلوسه إلى جوارنا اعتدنا وجوده بيننا، وكلما غاب خشينا أن يكون قد أصابه مكروه.
أما صالح. م فهو أكثر إتزانا وأرتب هيئة من خالد حتى إنه يقدر على قيادة السيارة ويستعان به أحيانا في ذلك. والغريب أن صالح يكثر من زياراته للإدارات الحكومية والمباني التعليمية أثناء جولاته هائما، بلا سبب أو حاجة محددة، لكنك أن تشعر بأن المشي وحده ولا شيء غيره هو هوايته الوحيدة ودافعه الرئيسي للتجوال، وربما كان ذلك أحد أسباب احتفاظه بجسد معتدل، إلا أن صالح يأوي في القيلولة والمساء لمنزل يضمه بحكم أنه متزوج وله ثلاثة أبناء.
ففي الصباح تجده في المحكمة ولا يعلم أحد لماذا، وإذا ساقتك الظروف للبلدية تجده قد سبقك إلى هناك، رغم أنك تركب سيارة وهو يستخدم قدميه، وبحكم معرفة الجميع به يُعامل برفق من قبل موظفي الجهات الحكومية، ويكفيه وعد من مسؤول أو موظف أو حتى مراجع بتحقيق طلبه ليذهب لأدراجه، ويعود مرة أخرى متى وجد نفسه أمام مبنى هذه الإدارة وقد نسي الوعد والطلب السابق.
صبيحة. ق.. أكثر رفقائه نشاطا، لا تهمه المسافات وإن طالت وكلما بلي حذائه من كثرة المشي دخل لأقرب سوق مركزية ليستبدلها ولأنه يختار النوع الرخيص فيأخذ ما يريد من أي محل دون استئذان ويخرج دون أن يمر على الكاشير، وبالطبع لا يعترضه أحد لأنهم يعلمون أنه لا يأخذ إلا ما هو في حاجة حقيقية له. وفي رحلته شبه اليومية للأخاشيم، يتعاطف معه أهلها فيحملونه في سياراتهم متى ما وجدوه يمشي في اتجاههم على جانب الطريق الأسفلتي.
وعن توفير الجهات المعنية المأوى والرعاية اللازمة لهم وجدنا أن تلك المطالبات تصطدم بحالة كل منهم على حدة وبمحدودية عددهم. وبسؤال مدير مركز التنمية الاجتماعية بشرورة محمد بن عطية الزهراني عن وضع هائمي شرورة، أرجع في حديثه لـالوطن السبب في تركهم دون رعاية إلى عدم توفر نزل أو رعاية نهارية لهؤلاء وعزوف الأهالي عن المطالبة بذلك، حيث لم يتقدم أحد من أهاليهم للمركز بخصوص طلب الرعاية النهارية لهم. وقال لو تقدموا سنرفعه للوزارة مباشرة، مضيفا أن مطالبهم اقتصرت على طلب الإعانات المالية التي تصرف لهم بالفعل.