جدة: محمود تراوري

تطلعات لنهايات حيوية لموضوعات ظلت أسر التنظير عقدا كاملا

الندوة الثقافية/ الفكرية الكبرى.. عنوان عريض بات يشكل الملمح الأجمل والأقوى لـ الجنادرية منذ إقرار تنظيمه في المهرجان الوطني الثالث للتراث والثقافة عام 1407.
فتخصيص موضوع معين كل عام يقدم فيه الباحثون والمفكرون أوراق عمل ودراسات علمية متخصصة، يعني اعترافا فائق الأهمية للنخب الثقافية والفكرية للمشاركة جنبا إلى جنب مع السياسي والاقتصادي في محاولة إيجاد قدم لأمة مزقتها ظروف كثيرة منذ عقود، جعلتها ترزح في آخر الطابور البشري الذي يسير مقدرات الكون، ومسيرة الإنسان في إعمار الأرض.
اليوم حين تنطلق في قاعة مكارم بفندق ندوة الغرب والإسلاموفوبيا وتقدم رؤيتين، أولاهما فكرية يديرها الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان يتطلع المراقبون إلى رؤى واقعية تنهي هذا الجدل الذي استمر طويلا، وتكرر طرحه على مستويات وصعد كافة، ولكنه بقي دائما طازجا رهن الطرح والنقاش حوله، الذي احتدم واشتد بوقع قوي منذ أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001.
ويكاد يكون من المؤكد أن الأكاديميين والباحثين الذين سيشاركون في المقاربة الفكرية للموضوع (عبدالله بن بيه (موريتانيا)، سيد عطاء الله مهاجراني (إيران)، رشيد الخيون (العراق) عبدالله اللاوندي (مصر)، مفرح بن سليمان القوصي (المملكة)، أنوار حسين صديقي (باكستان). والكاتب الصحفي البريطاني(باتريك سيل)، متابعون جيدا ومدركون تماما للمسافة التي قطعها مثل هذا الحوار على مدى عقد من الزمان، وكم اللقاءات والندوات والمؤتمرات التي التمت حول هذا الموضوع، لذا يكون من المنتظر - طبقا - للمراقبين الاقتراب من التوصل لصيغ عملية، تنفيذية، تنقل الحوار من قاعات التنظير إلى أرض الواقع، لكيلا تبقى هذه النقاشات والحوارات بمعزل عما يمور في الواقع، خاصة فيما يتعلق بالشباب وثقافته وحراكه وهمومه وآليات تفكيره التي بدت بجلاء خلال ما حدث منذ بداية العام، شبه مختلفة عن تصورات ومفاهيم وأفكار النخبة.
ولعل ذلك ما ينطبق ويتحمل مسؤوليته بشكل أعمق على أرض الممارسة أولئك الأشخاص من النخبة السياسية الذين سيتصدون للموضوع في ذات القاعة، ولكن في توقيت مختلف ولاحق وبعنوان الغرب والإسلاموفوبيا.. رؤية السياسيين، والتي سيديرها اسم ثقافي سعودي لامع ومشهود له عبر تجربة صحفية عريضة (نشرا، وتلفزيونا)، إذ يعتبر محمد رضا نصر الله مثقفا تشهد له خبرته بالقدرة على وضع وزيرة الخارجية الموريتانية السابقة الناهة بنت ولد مكناس، والرئيس البوسني السابق حارس سيلاديتش، والسياسي السعودي المخضرم نزار عبيد مدني، ووزير الإعلام اللبناني طارق متري، أمام استحقاقات الراهن والواقع للعالم، عل الندوة ترسم خارطة طريق لجدل طال محوره العلاقة بين الغرب والإسلام. وهو موضوع سبق لندوة الجنادرية الكبرى أن خاضت فيه بدورتها الحادية عشرة 1416 في أكبر ندوة فكرية حول الإسلام والغرب شارك فيها مفكرون من الغرب ممن عرفوا بالطرح الموضوعي العلمي يقابلهم عدد من مفكري الإسلام وعلمائه، أي قبل أحداث سبتمبر 2001، وقبل أن تقرر القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة 2006، إدراج الموضوع ضمن أجندة المؤتمر.
ونجحت أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي في تدويل الموضوع مساهمة منها في مواجهة تنامي النفس العدائي للإسلام في المجتمعات الغربية، وهذه هي المساهمة التي ينتظر من الباحثين والمفكرين أن يعمقوا خطواتها تجاه ما هو عملي، وتجاه ما هو فعل أكثر منه تحليلا واستقراء وتنظيرا.
يشار إلى أن الموروث الشعبي في العالم العربي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري نوقش في ست دراسات من قبل كبار المتخصصين والباحثين العرب، في نسخة الجنادرية الثالثة.
بينما ركزت الدورة الرابعة على الفن القصصي وعلاقته بالموروث الشعبي.
وحضرت ظاهرة العودة العالمية للتراث والانتفاضة الفلسطينية والمخدرات وثقافتنا والبث الإعلامي العالمي والحركات الإسلامية المعاصرة بين الإفراط والتفريط، في الدورة الخامسة.
وكان محور الدورة السادسة النص المسرحي وعلاقته بالموروث الشعبي في العالم العربي وتداخله مع الإبداع الفكري والفني. وتضمن المهرجان الوطني السابع 1412 الندوة الثقافية الكبرى عن الموروث الشعبي وأثره على الإبداع الفكري والفني، بينما عكست الدورة الخامسة عشرة البوصلة واختارت موضوع الإسلام والشرق محورا رئيسيا لها، واختير موضوع المعرفة والتنمية ليكون عنوانا لندوة الدورة العشرين للمهرجان، وهو العنوان الذي تطور وتوسع ليكون محور المهرجان في دورته الخامسة والعشرين بعنوان مجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة مركزا على ما يعيشه العالم المعاصر من سيطرة التقنية والمعلوماتية على حركته وثقافته، وانعكاسات ذلك عليه في كل مجالاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعرفية على المجتمعات البشرية، موظفا رؤى المفكر الأميركي ألفين توفللر المنظر الأول للثورة الرقمية للعالم.