بعد أن أقرت فرنسا قانونا يجرم إنكار إبادة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، تضع الدول الأوروبية نفسها في مأزق أخلاقي علني أمام العالم،

بعد أن أقرت فرنسا قانونا يجرم إنكار إبادة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، تضع الدول الأوروبية نفسها في مأزق أخلاقي علني أمام العالم، إذ إنها مجبرة على تطبيق هذا القانون عليها جراء ما ارتكبته من قتل خلال حقبتها الاستعمارية. ففرنسا وبريطانيا وإيطاليا أبادت مئات الآلاف من العرب خلال استعمارها لـ12 بلدا عربيا، أذاقت فيها شعوب المغرب العربي ومصر والسودان وبلاد الشام وجنوب الجزيرة العربية شتى أنواع الإرهاب والقتل ونهب ثرواتهم.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، قتلت فرنسا أكثر من مليون شهيد في الجزائر، وبلغ الصلف الإنجليزي مداه في فلسطين فسلمت أرضا لا تملكها لعصابات يهودية لتبني عليها إسرائيل. لذلك فإن أي قانون أوروربي يجرم نكران إبادة وقتل أي شعب يعد فاقدا لمصداقيته إذا لم يُطبق على الحكومات الاستعمارية وعلى إسرائيل.
وبكل أسف لم تستغل الدول العربية التي تعرضت لإرهاب المستعمرين هذه القوانين لتجريم المستعمر على جرائمه، بل على العكس من ذلك، باتت ومعها معظم الدول العربية مستسلمة للادعاءات الأوروبية والأميركية التي تتهم الإسلام بالإرهاب. واليوم جاءت الفرصة للعرب على طبق من ذهب لمطالبة أوروبا بتطبيق هذه القوانين بعد أن فتحت اتهامات رئيس وزراء تركيا رجب إردوغان لفرنسا عن مجازرها في الجزائر الباب ليقاضوا المستعمر الأوروبي فهل سيفعلون؟
لا يمكن لأي عاقل إلا أن يحكم على الحقبة الاستعمارية بأنها كانت أشد أنواع الجرائم الإنسانية، ولا يمكن للذاكرة العربية إلا أن تسترجع أصوات المدافع وهدير الرصاص في حي القصبة في الجزائر، وحي كريتر في عدن، وإعدام المجاهد عمر المختار في ليبيا، ومجزرة ميسلون في دمشق، وحادثة دنشواي في مصر، بدون ذنب سوى أنهم كانوا يرفضون حكم الأجنبي. ولا يمكن لهذه الذاكرة ألا تسمع آلام الآلاف من الرجال والنساء الذين أخذهم المستعمر وعذبهم بأقسى أنواع الوحشية ثم أفناهم. وبدون شك أن مئات الآلاف من القتلى والمكلومين والمهجرين من العراقيين يجسدون استمرارية الحق بمحاكمة المستعمرين.
لكي يستغل العرب هذه القوانين التي تطالعنا بها الدول الأوروبية وأميركا بين حين وآخر، عليهم أولا: أن يستيقظوا ويتعلموا الجرأة لرفض أسلوب هذه القوانين. فهي قوانين غير صادقة ويكتنفها النفاق السياسي، إذ إنها محلية وبالتالي غير ملزمة، لأنها تمنع حرية التعبير، حيث تجرم من يشك في محرقة اليهود ولا تجرم من يشتم الإسلام.
ثانيا: إصدار قوانين تجرم من ينكر الاستعمار والاحتلال وإبادة إسرائيل للشعب الفلسطيني.
ثالثا: لا بد أن يطالبوا الدول الأوروبية وأميركا أن تكون أول من يتعرض للمساءلة على الجرائم الإنسانية وارتكاب الحروب وجرائم الاستعمار.