صارت جامعة الملك سعود تحقق الإنجازات، مثلما صارت كرد فعل طبيعي تقع في بعض الأخطاء، لأنها تتحرك، لكن حركتها الكثيفة أصابت بعض العيون بالترمد فصارت لا ترى إلا الغبار ولا ترى سبب هذا الغبار
تعلمت وخبرت من الحياة أن من لا يحب لأحد أن يسود فهو فاشل وساقط وحسود، وهو على ذلك لا يحب لغيره التفوق والرفعة، طبعاً أنا ضد التعميم والأكيد أن هناك من يعشق النجاح ويفرح بالناجحين ويحفزهم ويشد على أيديهم، ويدعم المخلصين ويحب العاملين الباذلين الذين يتشربون حليب الوطنية والمواطنة ويرفع من قدرهم.
هذا موجود وملموس لكن هناك قدرا كبيرا من الناس لا يهمهم في شيء إلا التسقط.. والتتبع.. والمناوأة.. لا يهمهم شيء قدر ما يهمهم إحباط الناجح وتثبيط الفالح وتكسير همم المتحفز والمثابر.
ها هي جامعة الملك سعود خلال عقود من الزمن تدير نفسها ومنسوبيها من الأساتذة والطلاب كما تدار المدارس الثانوية لا يميزها عن المدارس إلا صفتها الجامعة.
مرت عقود من الزمن كانت فيها الجامعة تشخر وتتثاءب أحياناً وقد قَدِمَ معظم أساتذتها الزائرين أو قل المدرسين فيها من جامعات عربية نائمة.
ولأن الجامعة كانت تمر في هذا البيات الطويل فإنها لم تكن تثير ما تثيره الآن من ضجيج وما تصدره تروس آلات عملها من صفير.. كان طقس الجامعة حينها خالياً من أي عواصف أو هدير، وكان هذا السكون وهذا الصفاء وهذا الهدوء يرضي الناعسين من منسوبيها أو حتى من خرجوا من رحمها واقتعدوا المشراق يتابعون كما يفعل كل الشاغرون الفاضون أي حركة أو دبيب يقض مضاجعهم، لكن وعلى حين غفلة من هؤلاء جاء من عكر صفو هذا الهدوء بحركته الدؤوبة وجلده الذي لا يكل ولا يمل.
لقد أقلق الدكتور عبدالله العثمان بمجيئه طقس الجامعة، وارتفعت درجة الحرارة في الردهات، فقد أذهب السكون الذي ران على قاعاتها وبحوثها ومراكزها ومعاملها وأثار بجهده الغبار الذي ـ بدوره ـ أثار نفوس الخاملين الذين ركنوا إلى الدعة والهدوء.
وزاد العثمان من دأبه وحماسه، فصار وصارت الجامعة حديث الدهاليز العلمية في الداخل والخارج، وصار صيتها يتنامى وحضورها يتصاعد وفعلها يتجدد ويتحول.
صارت جامعة الملك سعود لقمة تشتهى وتمضغ في لسان المادح والقادح.
وصار للعثمان معجبون كثر.. لكن بالمقابل صار له من الحساد من تنوء نفوسهم بحمل أضغانهم.
صارت الجامعة تحقق الإنجازات.. مثلما صارت كرد فعل طبيعي تقع في بعض الأخطاء، لأنها تتحرك، لكن حركة الجامعة الكثيفة أصابت بعض العيون بالترمد فصارت لا ترى إلا الغبار ولا ترى سبب هذا الغبار.
لقد أصبحت الجامعة تهرول فتتعرق فينفر من نزفها وعرقها المتقرفصون الجاثمون أمام أجهزة التبريد والراحة. ومنذ أن جاء الدكتور عبدالله العثمان إلى جامعة الملك سعود والجامعة آخذة في تغيير جلدها، وتموضعها وتقوقعها في الداخل بحيث غدت تسعى لاستقطاب الباحثين والأساتذة والعلماء من أعرق الجامعات العالمية.
إن ما ورد – كمثال – في تقرير مجلة ساينس وما آثاره من لغط لا يلغي تجاهل الباحث في الاستطلاع للأسلوب العلمي للاستقصاء الذي يعتمد على أخذ عينة ممِثلَهْ REPRESENTITIVE SAMPLE لكي يخرج بنتائج عكس الواقع ولكن ما قام به هو أنه أخذ عينة منحازة (مقالات كتبت ونشرت في صحف محلية سعودية لها ما لها وعليها ما عليها).
ولو كانت العينة ممثلة لأعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود لكانت النتائج التي يخرج بها معاكسة لما توصل إليه، حيث سيتبين حتماً عدد الحاصلين على براءات اختراع في مجالات المعرفة المختلفة طب وهندسة وعلوم ولكن يبدو أن شرق أوسطية الباحث الأميركي (من أصول هندية) غلبت عليه عندما قام بإجراء بحثه متناسياً أصول البحث العلمي، كما أن إقحام جامعة الملك سعود مع جامعة الملك عبدالعزيز في الدراسة فيه عموميات لا تأخذ بخصوصية كل جامعة وأسلوبها في استقطاب الباحثين والتعاون معهم.
لماذا تغافل البعض عن جامعة ينجح عرابها في جمع أكثر من ثلاثة مليارات ريال يتم تسخيرها لمراكز بحثية وأوقاف ريعية تدر على الجامعة، ما يجعلها تصرف بسخاء على أبحاثها العلمية على نحو تصبح مخرجاته علماً منفعته تعود على الوطن وأبنائه؟
ها هي سابك تستثمر ثلاثة أرباع المليار ريال في وادي الرياض للتقنية، لأنها وجدت البيئة الخصبة لمثل هذا الاستثمار، وليست سابك وحدها بل إن رجال الأعمال تسابقوا يجعلون أموالهم تحت إمرة الجامعة، تسخرها فيما يعزز من دور الجامعة الحقيقي، الجامعة التي تخلصت من دور التلقين لتدخل مرحلة الخلق والإبداع والاختراع.
لماذا تبتذل هذه المصروفات وهي تذهب إلى المنفعة والفائدة والتقدم ولا نرى لهؤلاء اللوامين أي كلام في الهدر الذي يذهب في الكثير من القطاعات بلا مردود ولا فائدة؟
إن كثيرا من الدول المتقدمة لتنفق نسباً جيدة من دخلها في سبيل الأبحاث والمخترعات العلمية، ويستكثر نفر من عندنا هذا البذل وهذا الجهد، رغم أن أرضنا عطشى لمثل ذلك وميزانياتنا ولله الحمد ضخمة ووافرة.
ها هي جامعة الملك سعود تنجح ويعلو صيتها وصيت قائدها وكابتن فريقها، ويرسب كل من في قلبه مرض أمام هذا الحضور الراشد والحاشد في كافة الأصقاع والميادين.
لا بأس يا دكتور عبدالله.. فامض في طريقك ولا تثريب عليك، فلن يرضى عنك الكسالى والحساد حتى تتبع ملتهم.