(.. عندما مضت المرأة، وأسمها فيوليت، إلى الجنازة لترى الفتاة، ولتمزق محياها، ألقوا بها أرضا، وأخرجوها من الكنيسة. وعندئذ انطلقت عدوا، عبر ذلك الجليد كله، وحينما عادت إلى شقتها أخرجت كل الطيور من أقفاصها،
(.. عندما مضت المرأة، وأسمها فيوليت، إلى الجنازة لترى الفتاة، ولتمزق محياها، ألقوا بها أرضا، وأخرجوها من الكنيسة. وعندئذ انطلقت عدوا، عبر ذلك الجليد كله، وحينما عادت إلى شقتها أخرجت كل الطيور من أقفاصها، وأطلقتها من النافذة، لتتجمد بردا أو لتحلق، بما في ذلك الببغاء التي قالت أحبك).
ورد في تقرير اللجنة السويدية لتبرير منح جائزة نوبل للآداب 1993 للأميركية توني موريسون (أن الحقيقة الأساسية التي ينبغي للقارئ تذكرها لدى مطالعته أي عمل من أعمال الروائية الأميركية هي أنها تستحق القراءة لأنها في رواياتها المتميزة بقوة الخيال وشاعرية المحتوى منحت الحياة لجانب مهم من الواقع الأميركي).
المقتبس أعلاه يمثل – عندي – نموذجا لقوة الخيال وشاعرية المحتوى. الصفتان اللتان تظهران بشكل مكثف في (جاز)، العمل الأكثر نضجا ضمن منجزها الروائي الحافل بثماني روايات، منذ أن كتبت الأستاذة الجامعية بعد أن بلغت الأربعين روايتها الأولى.
عندما تقع عيناك على عبارة (الجليد الذي انطلقت تغدو عبره واقعا تحت بطش الريح، حتى إنها محت آثار أقدامها) في (جاز) وتمتلئ روحك بفيض عوالم موريسون التي يصفها المترجم الجميل كامل يوسف حسين بأنها من الرحابة والاتساع والعمق، تقف عمليا على صدق هذه المقولة. تأملها وهي تكتب على لسان (فيوليت) شخصية الرواية المحورية (ليست لي عضلات تذكر، ولذا فليس بمقدوري حقا أن أتوقع أن أدافع عن نفسي، ولكنني أعرف كيف ألزم الحذر، وغالبا ما يتمثل ذلك في التيقن من أنه ما من أحد يعرف كل ما تتاح معرفته عني، وثانيا أراقب كل شيء وجميع الناس وأحاول تخمين خططهم وطرق تفكيرهم قبل وقت طويل من قيامهم بالتخطيط والتفكير، ذلك أنه يتعين عليك إدراك ما يعنيه استيعاب مدينة كبرى، فأنا عرضة لكل ألوان الجهل والإجرام).
اشتهرت موريسون – بحسب المترجم – في أحاديثها وحواراتها ومحاضراتها بحرصها على إضاءة مفهومها نهب اللغة وقد بلغ من اهتمامها به أن خصصت كلمتها في حفل توزيع نوبل للحديث عن هذا المفهوم، وهي تقول ببساطة شديدة إن جماعات هائلة من البشر في عالمنا المعاصر تتعرض لمحاولات تحطيم ثقافتها الخاصة ووجدانها الداخلي.
من هنا نجدها في أعمالها تفيض شاعرية في لغتها، وشعرية في سردها، وهو ما أشار اليه الناقد البريطاني انطوني كورتيس في الفاينانشيال تايمز بعد فوزها بنوبل (.. تقدم جائزة عن أعمال كاتبة شجاعة رسمت معالم أرض جديدة للرواية الحديثة في نثر قوي وواضح يحمل أصداء الشعر).
ما أبهى الرواية حين تحمل أصداء الشعر بوعي وإتقان لماهية الشعر كحالة لا كلغة باهتة ورأسية، فتكون معادلا موضوعيا لوجود قاحل حد الشحوب.