فرض رسوم على الأراضي البيضاء والمجمدة كان من أبرز الأفكار التي شهدت نقاشات واسعة لتحد من هذا الارتفاع الطاغي في أسعار الأراضي، والذي بات سمة بارزة في أكثر مناطق المملكة
السؤال الأول عن أزمة الإسكان في حياة السعوديين: لقد تحولت هذه الأزمة إلى معادلة باتت أقرب إلى لغز تنموي لا حل له، فوجود ما يزيد عن نصف المواطنين ممن لا يمتلكون منزلا، مع وجود إحصاءات تشير إلى نسب أعلى من هذه النسبة، يؤكد أننا في انتظار أزمة قادمة، ولقد تدخلت الدولة بشكل واسع من خلال أبرز محورين في عملية توفير الإسكان، هما القروض العقارية وإنشاء الوحدات السكنية، لكن كل تلك القرارات الإيجابية بحاجة أيضا لإدارة إيجابية، يتعرف من خلالها المجتمع على الطريقة والمواقع التي ستشهد إنشاء تلك الوحدات السكنية، وآلية التوزيع بين الناس. وما يحدث الآن من تسريع في عملية القروض العقارية وتسهيل لإجراءاتها وشروطها التي كانت معقدة للغاية، أنجب واقعا إيجابيا في الحصول على القرض، لكنه يتراجع كثيرا أمام سوق عقارية لا تتحكم بها الدولة، ولم تشهد فرضا لقوانين وإجراءات تحد من هذا التهور غير المنطقي الذي يشهده السوق.
التفكير في فرض رسوم على الأراضي البيضاء والمجمدة كان من أبرز الأفكار التي شهدت نقاشات واسعة لتحد من هذا الارتفاع الطاغي وغير المنطقي في أسعار الأراضي، والذي بات سمة بارزة في أكثر مناطق المملكة.
يعلن كثير من خبراء السوق العقاري خشيتهم من أن قرار وضع رسوم على الأراضي البيضاء لن يحد من ارتفاع الأسعار، لأنه سيمكن تجار العقار من احتساب هذه الضريبة على سعر الأرض، وبالتالي ستواصل الأسعار ارتفاعها. وهنا يحذر اقتصاديون من أن كثيرا من تجار العقار قد يجدون أكثر من نافذة للتلاعب على تلك الرسوم في حال تم فرضها، ويرون إمكانية مضاعفة الرسوم سنويا أو الاتجاه لنظام التطوير الإجباري الذي يلزم ملاك الأراضي بالقيام بعملية التطوير.
من يصدق أن مناطق في أطراف الرياض وفي أطراف جدة، وبعيدة عن الخدمات يتجاوز فيها سعر المتر حاجز الألف ريال؟ ترى كيف يستقل الجيل الجديد من السعوديين، ومن الشباب المقبلين على بناء حياتهم هذا الواقع؟ وإلى أي درجة بات التفكير في امتلاك قطعة أرض مجرد حلم مؤلم وبعيد المنال؟ ومن يصدق أن جدة توشك أن تتوقف عن النمو بسبب وجود مساحات هائلة من الأراضي مجمدة من سنوات، حتى أصبحت عبئا على المدينة وعلى التنمية؟
ذلك الواقع يؤكد أن الحلول لا تكمن فقط في منح السعوديين المزيد من السيولة للحصول على الأراضي أو السكن الخاص، بل أن تصبح الدولة لاعبا مؤثرا في إدارة السوق العقاري، فلا يتعرف المواطن السعودي على ضآلة طموحه إلا حينما يفكر في امتلاك قطعة أرض أو شراء مسكن، وهو ما يخلق ويضاعف شعورا لا يتسق وهذا النماء وهذا الخير وهذا الرفاه الذي نعيشه جميعا.
يتوقع بعض خبراء العقار أنه في حال تم فرض رسوم على الأراضي البيضاء فقد يتجاوز الدخل السنوي للدولة مئة وخمسين مليار ريال، هذا المبلغ يمكن توجيهه لتمويل مشروعات الإسكان أو توسيع دائرة القروض، أو إيجاد تحالفات بين وزارة الإسكان وبين الشركات المطورة. والاقتراح الأخير قائم في كثير من الدول العربية التي لا تقارن بنا، لا على مستوى الدخل ولا على مستوى الإمكانات.
الواقع يؤكد لنا أن اللوم لا يلقى على مجموعة من العقاريين الكسالى والمضاربين، بل يلقى اللوم بأكمله على عاتق الأنظمة والتشريعات التي كان غيابها أكبر هدية لهم. غياب الأنظمة تكاتف مع حالات الفساد التي شهدتها الأراضي في السعودية، مما أوجد معادلة كانت نتيجتها أزمة وطنية واقتصادية حقيقية.
على الذين يشرعون الآن لحل هذه الأزمة أن يدركوا أن الوقت ليس في صالحهم وأن التأخر يعني أنهم موشكون على الفشل، وحتى لو احتاجت الحلول إلى دفع مليارات الريالات فمن الواجب الإسراع بذلك، لأننا أمام واقع لا يتجانس أبدا وهذه الأزمة.
هذه الصرخات التي تتوالى الآن من حناجر أكثر من نصف المواطنين لا تجعلهم ملومين إذا ما أخذت التأويلات لديهم تتجاوز حدودا غير منطقية، ترى، هل يوجد أحد ما في مكان ما يريد لكل هذه الملايين من السعوديين أن يظلوا بلا مساكن؟ الجواب بالتأكيد هو: لا، بدليل هذا الاهتمام القيادي المتزايد بهذه الأزمة، لكنه اهتمام يحتاج إلى إدارة وإلى حلول عاجلة لهذا الألم اليومي في حياة أبناء الوطن.