نحن بلا شك مع ورشة العمل الكبرى التي تجري في جدة، ولكن كنا بحاجة إلى تنسيق أكبر بين الجهات المعنية بالتنفيذ والمؤسسات الخدمية الأخرى في المدينة، خاصة إدارة المرور
تترقب عروس البحر مع بداية العام الجديد ثوب زفافها إلى العالم الأول، ونحن كذلك نقترب أكثر من احتفالنا بنهاية المعاناة التي لاقيناها لسنين. فمعظم مشاريع الأنفاق والجسور - وكما تذكر الجهات المسؤولة - تشارف اليوم على الانتهاء إن لم تكن قد وصلت إلى نهايتها.
وقد بدأ عملياً توصيل المساكن في بعض أحياء المدينة بشبكة الصرف الصحي، وقريباً تنتهي شركة المياه من تشييد محطات الصرف وخطوط نقل المياه المعالجة إلى شاطئ البحر ونقاط التصريف الأخرى. وتحلم العروس في عامها الجديد بثوب أنيق.
أخبار سارة، لكن تجربتنا في جدة ومعاناة سكانها السابقة يجب ألا تمرا دون تقييم ودراسة، ففيهما من العبر والدروس ما يمكن أن ينفعنا استيعابه في التخطيط لمشاريع المستقبل. وعلى أمانة محافظة جدة، المسؤولة عن تطوير المدينة إعادة النظر في منهجية وإدارة المشاريع.
نحن بلا شك مع ورشة العمل الكبرى التي تجري في جدة، ولكن كنا بحاجة إلى تنسيق أكبر بين الجهات المعنية بالتنفيذ والمؤسسات الخدمية الأخرى في المدينة، خاصة إدارة المرور. فمن أول يوم خرجت فيه آليات التنفيذ ومعدات المقاول، لمسنا قلة التنسيق. شرايين المدينة تقطعت، وطرقاتها ضاقت دون سابق إنذار، وتحول اتجاه السير إلى جهات لم نكن ننوي زيارتها، وتأخرنا في الوصول إلى حيث قصدنا.
كان لابد لإدارة المرور من مطالبة المقاول بوضع الخطط واقتراح المسارات البديلة بما يخدم المشروع ويخفف من آثاره السلبية، ثم مراجعة الخطط المقترحة ودراستها وتعديلها، حتى ولو كان في ذلك ما يزعج المقاول الذي ينفذ المشروع. هناك مواصفات قياسية للطرق البديلة والمسارات المؤقتة، لو تمت مراعاتها والأخذ بها، لقلت معاناة السائق وهو على الطرق البديلة.
وكان لابد من أن يعرف الناس هذه الخطط، تُنشر على وسائل الإعلام المختلفة وتعمم في المؤسسات، حتى يتمكن كل فرد من رسم الطريق الجديدة التي تناسب تنقله وحركته في المدينة، وخروجه ودخوله، وقضاء حوائجه بأقل التكاليف الإضافية. لم يكن ذلك مستحيلا، وكنا بحاجة إليه في هذه الظروف الاستثنائية. لا شك أن حجم المشاريع وأعدادها غير طبيعي، لكن كان من الممكن أن نضع لها خططاً غير اعتيادية.
تذهب إلى عملك في الصباح الباكر وتسلك طريقا تسلكه كل يوم، وفجأة تجد نفسك في نقطة مغلقة، خلف حشود السيارات المتكدسة، وأعمدة الـغبار الصاعدة، ولا تعرف مـا الذي عليك فعله. مفاجآت لم يسبقها إنـذار، ولم تكن في الـحسبان. لم يـكن صعباً أن تُهيأ أماكن العمل، وتعبد الطرق البديلة وتوضع عليها اللوحات الإرشادية الضرورية في توجيه الناس وقيادتهم على الطرق البديلة قبل الشروع في الحفر ونزول آليات المشروع ومعداته، ويكـون في ذلك إعلان بما سيأتي.
وجدولة المشاريع أمر آخر يساهم في التخفيف من آثارها السلبية، خاصة إذا كانت في رقعة من الأرض ضيقة.
قد تجد نفسك على شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز، وعليه عدة مشاريع متتالية في المكان ومتزامنة في التوقيت، تجعل العبور من شرقه إلى غربه أمراً مكلفاً مادياً ونفسياً، فتجلس خلف مقود السيارة أضعاف ما كنت تحسبه زمناً كافياً للعبور، وتتعطل معها مصالحك. ولو قررت في اليوم التالي أن تسلك شارع فلسطين أو صاري أو حراء للقيت نفس المعاناة.
لم يكن من الصـواب في ساعات ذروة السير أن يتزامن العمل في المشاريع على كل الشوارع والطرقات الموصلة بين غرب المدينة وشرقها أو بين جنوبها وشمالها، وأسوء من ذلك أن تبدأ في كل الاتجاهات وفي زمن واحد.
في زيارة إلى كندا قبل سنين، تعجبت من وجود أعداد كبيرة من فرق صيانة الطرق السريعة وقد نزلت في إحدى ليالي الصيف إلى مواقع العمل بعد الثانية عشرة من منتصف الليل، وبعد أن هدأت حركة السيارات، رأيتهم يعملون حتى بزوغ الفجر، حتى لا تتسبب أعمالهم في عرقلة السير واختناقات الطريق أثناء النهار. ففي دقائق تم وضع الإشارات التحذيرية والإرشادية التي تأخذ السائق بيسر وتعبر به مناطق العمل بسهولة، وفي الصباح، رُفعت كلها، وكأن شيئاً لم يكن.
كانت هناك خطط رسمت بعد دراسة، ونفذت بعناية، ولم يشعر بنتائجها أحد إلا في اليوم التالي، لحسنها.
لم يكن لديهم سوى ساعات من كل ليلة لصيانة آلاف الكيلومترات من الطرق السريعة، ينجزونها ولا يشعر بها أحد، ويتم ذلك كله في ليالي فصل الصيف لأن الشتاء قارس.