خلال سنوات التخلف والقهر والقمع الذي عانته ومازالت تعانيه بعض الشعوب العربية،
خلال سنوات التخلف والقهر والقمع الذي عانته ومازالت تعانيه بعض الشعوب العربية، كان للنساء نصيب الأسد منه. حيث هن الأكثر فقرا، وعوزا، والأكثر جهلا، والأقل نصيبا في ثروات الأرض. وعندما بدأ الربيع العربي، ضحت الكثير من النساء في تونس وليبيا ومصر وسورية في قوائم طويلة لأسماء نساء دخلن المعتقلات، وعذبن، وانتهكت أعراضهن، وعذب أباؤهن، وأقاربهن مثلهن مثل الرجال.
ولا نقول إن الأوضاع في تلك الدول قد ازدهرت، فما زال الصراع محتدما على الهوية والأنظمة والدساتير، لكن الجميل أن الفرد بدأ يشعر بثقله، لكن ومع الأسف بدأ الرجل العربي وكعادته، في ممارساته الإقصائية ضد المرأة باستخدام الموروث.
فجماعة الإخوان المسلمين، والتي تفخر بأعلى نسبة تمثيل النساء حصرت دور المرأة بإدارة وتسيير مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الخيرية، ودور الأيتام. وهو دور الفاعل فقط الذي طالما أسند لها من قبل، لكن أن تتولى المناصب القيادية العليا ومنها المرشد العام للإخوان فهذا هو المستحيل.
أما السلفيون فقد كانوا أكثر صراحةً في إقصاء المرأة، فقد وضع حزب النور السلفي في منشوراته الخاصة بانتخابات مجلس الشعب صورة لوردة حمراء، بدل صورة المرشحة. وبالطبع لم يترك المصريون هذا الأمر دون أن يعبروا بروح النكتة عن رأيهم، فقال أحدهم حزب النور... رمز الفانوس... أول من يرشح نباتات على مقعد المرأة. لكن والحق يقال إن الرجل ليس هو الفاعل الوحيد في تهميش دور المرأة، فالمرأة نفسها هي من تقصي نفسها عن الساحة وما نقرؤه من تصريحات لبعض نساء الإخوان أو السلفيين، نرى فيه لغة التنازل التدريجي عن مكتسبات المرأة المصرية العريقة لصالح الرجل؛ ليعود المجتمع للوراء في خطوات حثيثة.
وفي تونس كتبت الدكتورة آمال قرامي رصدا محزنا لما يحدث هناك، من انتهاك لحريات النساء الشخصية في الملبس والسلوك، وتدخل في العقائد وصولا لاتخاذ قرارات إدارية بحق النساء في أعمالهن، مثل طرد الدكتورة إقبال الغربي مديرة إذاعة الزيتونة، والحاصلة على درجة الدكتوراه في الانثروبولوجيا من جامعة السوربون.
أما في ليبيا فالصورة أكثر قتامة، فما إن تولى مصطفى عبد الجليل الحكم؛ حتى قام بإحياء كل الأنظمة والقوانين التي أقل ما تفعله بالمرأة هو زعزعة أمنها داخل كيان يشكل أهم عنصر في حياة المرأة وهو الأسرة. وحقيقة عندما سمعت أول تصريح له حمدت الله كثيرا أن الرق ممنوع بقانون دولي.
والتساؤلات الملحة التي تفرض نفسها على أحرار الفكر: ما الذي تفعله المرأة بالرجل ليحاصرها كل هذا الحصار، ولماذا كل محاولات الإصلاح التي تنبع من فكر أيديولوجي تبدأ بتقييد المرأة وتنتهي بتقييد المرأة ؟
لماذا يحتل مفهوم عزل المرأة، وتضييق الفضاء الجغرافي والاجتماعي والفكري المتاح لها، الأولوية قبل إصلاح التعليم وقبل محاربة الفساد المالي والإداري وإصلاح مؤسسات القضاء وإصلاح البنية التحتية؟
ومتى ستفيق المرأة وتعرف ما لها وما عليها، وتعرف من هو عدوها الحقيقي الذي طالما حرمها من أقل حقوقها الإنسانية وهي مشاركته الحياة على الأرض النصف بالنصف.