لفت نظري ما صرحت به اللجنة المكلفة بمتابعة قضية المعلمات، وهو قولهم نرجو من المعلمين والمعلمات عدم الاستجابه لدعوات التقاعس عن العمل حتى يتم رد الحقوق، والفصل بين قضية الحقوق والتدريس اليومي.. وأنا هنا لست بصدد المطالبة بحقوق المعلمات ومناصرتهن، لكنني أرغب في الإشارة إلى أن ما تطلبه هذه اللجنة وغيرها أمر مستحيل التطبيق حتى لو أراد المعلمون ذلك فالتدريس ليس أمرا مهنيا ينجز ويتمكن صاحب العمل من الحكم على جودته من عدمها، إنه أمر يحتاج إلى أكبر من ذلك بكثير يحتاج إلى التفاني والإخلاص والتخلي عن راحة البال حتى بعد الخروج من المدرسة، وما إنصاف المعلم أو المعلمة ورد حقوقه إليه إلا لتحفيزه وتشجيعه وبث روح الحماس فيه للاستمرار في هذا العطاء والمساعدة على تفرغه للعملية التربوية أشق الأعمال وأخطرها وأكثرها إرهاقا. فكيف نطلب ممن يعمل في مصنع الأجيال ويشكل ثقافتها ويتعهد حبها لوطنها ودينها ويغرس فيها الفضائل والقيم أن يرضى بالنزر اليسير غاضا الطرف عن باقي حقوقه الضائعة وهو يرى الأقل منه شأنا يصرف عليهم ببذخ وإسراف.
إن المعلم والطبيب كلاهما .. لاينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه .. واصبر لجهلك إن جفوت معلما
لذلك يجب الاهتمام بهاتين الفئتين في المجتمع ليكون مجتمعنا مجتمعا سويا سليما، إلا أننا على ما يبدو سنبتلى بمجتمع جاهل وسقيم لأن الطبيب والمعلم مازالا تائهين في طرق البحث عن حقوقهما ولا وقت لديهما الآن للانتباه إلى دورهما الخطير في بناء هذا المجتمع.
فالمعلم أو المعلمة (لا فرق) مع زيادة الجور على تاء التأنيث مازالت تطالب بالضائع والمهدور من عمرها وعصارة روحها ووقتها، وأطباء الامتياز أيضا مازالوا ينتظرون تعديل أوضاعهم بعد بتر مخصصاتهم وتقليصها، فهم كذلك على أبواب الحياة العملية والوظيفية بعد أن أخذت منهم دراستهم كل مأخذ يطمحون في تعديل أوضاعهم ويطالبون بها، في زحمة ساعات الدوام الطويلة المتواصلة والمرهقة والرغبة في التميز، وتحقيق حلم البلد في طبيب سعودي وطبيبة سعودية، يستطيعان تلمس جروحنا الغائرة وبلسمتها، لا أن تشغلهم همومهم الشخصية من إيجارات وفواتير واحتياجات أسرهم عما بين أيديهم من أرواح وأمانات، حتى إذا وقعت الأخطاء الطبية القاتلة أخذنا بتلابيب الطبيب وتركنا المتسبب الرئيس فيما حدث. لذلك وقبل أن ننظر ماذا حقق لنا المعلم والطبيب لننظر ماذا أعطيناهم؟ ولعله من سوء الفطنة أن نسلم أرواحنا وعقولنا في أيدي من ظلمناهم وجرنا عليهم.